تجديده وتنظيمه بما يلائم تطور الفكر الإنساني، وأن نقرب موارده للدارسين والباحثين وطالبي المعرفة. فقد طالما طالعتنا الحقائق بأن كثيراً من نظريات آبائنا السالفين في نواحي العلم يؤيدها الفكر الحديث ويحتفل بها العلماء المعاصرون
غير أننا مع احتفائنا بذلك التراث العظيم ودعوتنا إلى إحيائه والانتفاع به لا يجوز أن نتعصب له ونطرح ما عداه فنقول إن ثقافتنا كل شيء في الحياة، وأننا نستغني بها عما سواها، بل نعمل كما عمل أجدادنا العرب، وننهج طريقهم في اكتساب المعرفة، فلقد نشدوا العلم من شتى مصادره وفرضوه على كل مسلم ومسلمة، وقربوا إليهم العلماء دون تفرقة بين أصيل ودخيل فانعقد لهم لواء الحضارة في فجر نهضتهم، وسخروه لدولتهم وصولتهم. فلنتزود من العلم الصحيح حيث يكون فالعلم لا حكر فيه لأحد ولا وطن له ولا دين
وإنه من تباشير الخير في الشرق أن يوفد أبناءه ليتلقوا العلم من جامعة مصر. ومن تباشير الخير في مصر أن تفتح جامعتها الأبواب لكل وافد عربي. ولقد كنت أتحدث إلى بعض أولي الأمر في البلاد الشرقية أثناء جولاتي فقلت له في سياق الحديث لم تنشئ كل من سورية والعراق وفلسطين جامعة، وليس إنشاء الجامعات بالأمر الهين ولا يقصد به مجرد المظهر، فقليلاً ما يتوافر العلماء، وقليلاً ما يتيسر المال اللازم للإنشاء؟ ولم لا تكون الثقافة الجامعية في الشرق موحدة فتكون جامعة فؤاد الأول في مصر جامعة الشرق كله يفد إليها الطلاب العرب فيتزودون زاد إخوانهم طلاب مصر العرب
إني كلما أفضت في حديث مشكلة اجتماعية يتملكني عاملان: عامل يأس وعامل رجاء. وهذا هو شعوري بعد أن ألمعت لكم برسالة الطالب العربي؛ فيحضرني عامل الرجاء حين أرى طائفة من شباب العرب فيها مخايل الرجولة الكاملة تفكر في العرب وثقافة العرب ومستقبل العرب، وتكون من أنفسها جماعة تدعو إلى رسالتها، وتنظم المحاضرات في موضوعاتها، فهنا يقوى الرجاء ويبتسم المستقبل. ويحضرني عامل اليأس حين أتفرس في الحياة الاجتماعية التي يحيا العرب في أكنافها، فأرى في بعض ما أرى نوعاً من الانقسام، وألاحظ بلبلة في الرأي، وتباعداً عن فكرة الوطن الأكبر، واشتغالاً بتوافه الأمور عن جلائلها. وهنا يلحقني التردد في الاطمئنان إلى الأمل والرجاء؛ ولكن إذا كانت عوامل اليأس مما تجوز لمن هم على عتبة الشيخوخة أمثالي فإن الشباب يجب أن يمتثلوا أملاً