ولا أظن أن ثمة رابطة أقوى من الرابطة الثقافية في وصل الشعوب بعضها ببعض. فالأمم العربية بخير ما توثقت روابط الثقافة بين شباب العرب لأنها توحد بين الأفكار، وتجمع بين القلوب، ويتسنى بها لكل رابطة سياسية أو اقتصادية أن تجد طريقها إلى القبول. ولا يستطيع أحد أن يتصور أمماً تتفرق بعد أن يتم التوحد بين قلوبها وأفكارها وأمانيها جميعاً.
ومما نوصي به الطالب العربي أن يؤمن إيماناً عميقاً بأن اللغة الفصحى هي أداة الاتصال بين الأمم، وإنه يجب أن يقوم على دعائمها صرح الثقافة العامة، فلقد طوفت في الشام والعراق وغيرهما فما كان يتيسر لي تقارب الفهم والإفصاح عن مكنونات النفس إلا حين اخترت الفصحى أسلوباً لحديثي؛ فإذا تدسست اللهجات أفسدت ما بيني وبين محدثي من تعارف، وأسلمتنا إلى التناكر البغيض. فالفصحى هي التي تجمع شملنا؛ وهي التي تقارب تفكيرنا، فليكن من مهمتنا نحن الدعاة إلى الوحدة العربية أن نحرص على الفصحى، وأن نداني بين الأساليب في شتى الأقطار، وأن نعمل على تيسير هذه اللغة لكي يسهل لنا استخدامها في الثقافة المشتركة بين الناطقين بالضاد
ولقد أشرت في مطلع حديثي إلى ضرورة إحيائنا لماضينا. وقد يقال إن لكل أمة من الأمم العربية ماضياً خاصاً، والواقع أن هذا الماضي مشترك بين أمم العرب لأنها كانت تخضع في حقيقة الأمر لنظام واحد، وتستمد حضارتها وأنماط حياتها وتفكيرها من منبع واحد في الأكثر الغالب؛ فمن أركان رسالة الطالب العربي إحياء ماضي العروبة في التفكير، وعرض هذا التراث الفكري العظيم في إطار جديد. فذلك الماضي يستند إلى دين محكم وضع نظامه ليواجه مشكلات الحياة في كل عصر وكل بيئة؛ ولكن لا بد لنا من أن نتفهم روح الدين السامية على وجهها الصحيح خالصة من البدع محررة من الجمود. فلو استمسكنا بذلك النظام الذي وضع أساسه ديننا القويم لاستطعنا الخروج سالمين من نوائب الزمن التي يرجع مصابنا بها إلى تنكبنا ذلك الطريق المستقيم. وعلى أن لنا مع ذلك ماضياً تاريخياً يجمل بنا أن نحييه في أنفسنا معتزين به ليكون حافزاً لنا على التوثب والرقي. ولنا كذلك تراث أدبي وعلمي عني به علماء الغرب قبلنا وكان له أثره في اتساع آفاق تفكيرهم الفلسفي والاجتماعي. فيجب أن يكون لنا في هذا التراث مأرب عظيم وأن نعمل على