باقية في عقب إبراهيم لعلهم يرجعون عن عبادة ما سوى الله، إن كانت الكلمة هنا هي الدعوة إلى التبرؤ مما سوى الله، أو يرجعون إلى ما تستلزمه كلمة التوحيد من أحكام، وعن كل ما ينافيها من سلوك، إن كانت الكلمة الباقية في عقب إبراهيم عليه السلام هي كلمة التوحيد. ووجود كلمة التوحيد بين العرب وسائر المسلمين هو من غير شك مناط الأمل وموضع الرجاء أن ينتبهوا يوماً ما إليها وإلى ما تستلزمه من إقامة دين الله، ومن إسلام الوجه والقلب إلى الله، وجعل الصلاة والنُّسك والمحيا والممات (لله رب العالمين لا شريك له) كما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
فكلمة (لعلهم) فيها ما فيها من الترجي، وفيها ما فيها من التذكير. لكن كل ذلك يتغير ويزول إذا قيل:(إلى يوم يرجعون) بدلاً من (لعلهم يرجعون)؛ إذ تصبح الآية إخباراً عن بقاء الإيمان والتوحيد في ذرية إبراهيم عليه السلام إلى يوم البعث، ولم يخبرنا القرآن بشيء كهذا. أما (لعلهم يرجعون) فتشعر بأنه سيكون من عقبه عليه السلام طائفة غير مؤمنة يرجى أن تعتبر بالطائفة المؤمنة من عقبه وترجع معها إلى الله. لكن أكبر دلالتها - والله أعلم - أن المؤمنين من ذرية إبراهيم سيكون منهم تفريط في توابع الإيمان ومستلزماته، وإن شئت فقل في حقيقة الإيمان، وأن كلمة الإخلاص والتوحيد ستكون دائماً فيهم منذرة ومبشرة وداعية إياهم إلى الله وإلى إقامة شرع الله الذي قام على التوحيد، وأنها ما دامت فيهم فسيرجى لهم ومنهم الخير
فأنظر إلى جيش المعاني هذا الجائش من كلمة واحدة هي كلمة (لعلهم) في موضعها من الآية الكريمة، وإلى التفاوت البالغ الطارئ على المعنى حين اعتمد الأستاذ عبد المنعم على ذاكرته من غير رجوع إلى المصحف للاستيثاق من النص، فأبدلته ذاكرته من (لعلهم يرجعون)(إلى يوم يرجعون). وخرج الكلام بهذا التبديل الطفيف في ظاهره من دائرة الإحكام
هذان مثلان يوضحان مقدار ما أودع الله في القرآن من إحكام يزول إذا امتدت يد أو عقل أو ذاكرة إليه بأدنى تغيير أو تحريف أو تصحيف. ولو تتبع تالي القرآن ما يسبق إلى لسانه من غلطات أثناء التلاوة، وتدبر بعد ما بينها وبين النص كما أنزله الله سبحانه،