للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العدد من الرسالة مثلاً آخر، إذ وجدت غلطة أخرى في آية أخرى لرجل من رجال العربية المحدثين له إيمان ويقين إلا أنه لم يقع في غلطته في معرض تفسير القرآن، فقد قرأت في العدد نفسه من الرسالة مقال أخي عبد المنعم خلاف (الحياة صادقة) وإذا فيه:

(إن الحياة هي كلمة الله النافذة إلى القلوب لا يحسها إلا من يحملها بأعبائها ثم يحاول أن يسلمها لغيره، وقد أودعها الله قلب آدم (فجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم يرجعون)

والآية ليست بالفاء في أولها ولكن بالواو، لكن لعل الفاء جيء بها لربط الكلام بالمقتبس من الآية فأدخلها الطابع في القوس. إنما موضع النقد الكبير والاستدراك هو ما دخل على آخر الآية، فليست الآية (إلى يوم يرجعون)، ولكن (لعلهم يرجعون). ومن هنا يبدو لأول وهلة الفرق في المعنى بين الصيغتين، ويبدو ذلك بصورة أوضح إذا عرفت سياق الآية الكريمة (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) في موضعها من سورة الزخرف

فلنأخذ في الفرق الأول: الأستاذ عبد المنعم خلاف يريد بيوم يرجعون يوم الحشر، فهو يقول إن الحياة باقية في عقب آدم إلى يوم الحشر؛ ومن هنا يظهر بعد هذا المعنى عن الواقع، لأن الحياة كما يعلم الأستاذ ستزول عن عقب آدم قبل يوم الحشر بأمد لا يعلمه إلا الله، فسيشمل الموت بني آدم فترة يغلب أن تكون طويلة كما جرت العادة في أيام الله في الخلق، ثم بعد ذلك يكون البعث ويقوم الناس، والآيات متظاهرة على ذلك، لكن يكفي هنا الاستشهاد بقوله تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا ما شاء الله. ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيان ينظرون). فالحياة ليست باقية في عقب آدم إلى يوم يرجعون في المعنى الذي أورده أخونا عبد المنعم، ولا كلمة التوحيد باقية في عقب إبراهيم إلى يوم يرجعون إذا أخذنا لفظ الأستاذ عبد المنعم وطبقناه على ما أخبرنا به الله سبحانه عن سيدنا إبراهيم في القرآن

إن النص القرآني بتمامه هو:

(وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون. إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون)، وهنا يتبين أي فرق في المعنى دخل على الآية الكريمة يجعل كلمة (إلى يوم) مكان كلمة (لعلهم). فالمعنى القرآني أن إبراهيم صلوات الله عليه - أو الحق سبحانه، والآية تحتمل المعنيين - جعل كلمة براءة مما يعبد من دون الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>