تحققت حكمة الله ودخل المشركون في دين الله أفواجاً.
والمهم ملاحظة أن المشركين ما كانوا ليدخلوا كما دخلوا في دين الله أفواجاً لو كان المانع لهم من قبول الدعوة أو الأمر قلة العقل بدلاً من قلة العلم، فالعاقل الذي لا يعلم مرجو أن يستجيب للحق إذا زال جهله به، وأعطى فرصة لتدبر ما دعي إليه. لكن لا رجاء في استجابة من لا يعقل، أو من كان على حال من الإصرار والعناد يحول بينه وبين قبول الحق وينزله منزلة من لا يعقل. فالحكمة واضحة في تأجيل من لا يعلم حتى يعلم وحتى يتدبر ما علم. لكن أي حكمة هناك في تأجيل من لا يعقل، وهو مهما علم لن يفقه لأنه ليس لديه عقل يفقه به، وتأجيله إلى أجل طال أو قصر لن يؤتيه ذلك العقل؟ إن الفرق هائل بين قول الله سبحانه (ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) وفي موضعها من الآية الكريمة من سورة التوبة، وبين قول ابن العربي في نفس الموضع (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)
والغريب العجيب أن الجملة (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) فهي مما أنزله الله في مواطن أخرى من القرآن. فهي في موضعها من القرآن الكريم من كلام الله سبحانه لها كل ما لكلام الله سبحانه من روعة وجمال وجلال وإعجاز. فلما نقلها الإمام أبو بكر بن العربي خطأ أو سهواً عن موضعها التي نزلت فيه إلى غير موضعها في تلك الآية من سورة التوبة أصبحت من كلام البشر لا من كلام الله، ولم تتلاءم مع بقية الآية التي هي من كلام الله، كالرجل أو العين الصناعية شتان بينها وبين الطبيعة، أو كالعضو المنقول - لو أمكن النقل - إلى غير موضعه من جسم الإنسان
أنظر إليها في موضعها من سورة الحشر في قوله تعالى يخاطب المؤمنين منبئاً عن المنافقين:(لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)، هي هنا من كلام الله سبحانه. وهي حيث أقحمها الإمام ابن العربي في آية التوبة غير قاصد ولا عامد من غير كلام الله، بل لقد أفسدت من المعنى. فأعجب إذن لكلام إذا التبس الأمر فيه على الإنسان العاقل العالم فأبدل كلمة أو كلمات مكان أخرى تشبهها فقد صبغته وخرج من حيز الإعجاز إلى حيز غير الإعجاز
ذاك مثال من أمثلة دقة الإعجاز في القرآن. ومن غريب المصادفة أني وجدت في نفس