للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأوربيون يدرسون اللغة اللاتينية واللغة اليونانية ليعرفوا أصول لغاتهم ولينقلوا ما في هاتين اللغتين من نفائس الآداب.

وقد عرفت اللغات الحية في أوربا خير ما أثر عن اللاتينية واليونانية، ونحن لن ننقل تلك الآثار إلى لغتنا إلا عن الفرنسية أو الإنجليزية، فما الموجب لقتل الوقت في درس لغات ميتة لن ننقل عنها أي حرف؟

يضاف إلى ذلك أن الشواهد تنطق بأن الشبان الذين قهرناهم على درس اللغات الميتة قد ضاعوا على مصر وعلى أنفسهم من الوجه العقلية، وأن كانوا أساتذة محترمين، وكيف لا نحترم من يعرف من أسرار القنقلون ما لا نعرف؟

أتريدون الحق؟

الحق أن مصر تبتدئ من حيث انتهى الناس

والحق أن مصر تحاول أن تخلق من الدراسات الجامعية لوحة إعلانات عن قربها من العقلية الأوربية، وكأنها لم تسمع أن أوربا بدأت تنفض يديها من التعصب للأموات

لو أن ما أنفق على درس اللغات الميتة كان أنفق على ترجمة ما آثر من تلك اللغات لظفرنا بنفائس تزيد في ثروتنا الذوقية والأدبية، ولكننا أطعنا الوهم فأضعنا أموال الدولة وأعمار الطلبة في شؤون قليلة النفع والغناء، مالي ولهذا؟

أنا أضعت الفرص السوانح في درس أبجديات تلك اللغات، وهي فرض لن تعود، فما تستطيع الأمة بعد اليوم أن تنفق درهماً فيما لا يفيد، إن صح أن الأمة صَحَتْ من غفوتها فأدركت الفرق بين ما يفيد وما لا يفيد!

إن زكي باشا طرب حين رآني اقرأ الخط الكوفي بل اعناء، فكيف يكون حاله لو نظر فرآني أقرأ الخط السنسِكريتي؟

وهل أجهل الخط السنسِكريتي؟

أنا أعرف منه ما لا يعرف فلان، فليجادلني فيه إن استطاع!

افتحوا أعينكم يا بني آدم من أهل هذه البلاد، واعرفوا أن الحذلقة الجامعية لن تنفعكم في كثير أو قليل، وتذكروا جيداً أن العلم الصحيح هو علم هذا الزمان، وستأثم الجامعة المصرية إن شغلت عنه بأوهام التاريخ

<<  <  ج:
ص:  >  >>