فقال البك: ذلك لأن في المجلس فريقا يتكلمون وفريقا يعملون؛ وأنا من هذا الفريق
فقال الشيخ منصور بلهجة المستدرك الخبيث: ولكنك لم تفارق العزبة في أكثر الأيام التي ينعقد فيها المجلس!
فقال البك: ذلك لأن الكلام يكون في داخل المجلس؛ وأما العمل فيكون في خارجه
واندلق مالك القرية في الكلام ليأخذ علي الشيخ منصور سبيل الرد فقال: وقد أخذت الحكومة برأيي في كثير من مشكلات التموين وأزمات الحكم، واستفاد النواب من اقتراحاتي واعتراضاتي في (بوفية) المجلس وفي لجانه؛ ولكنني إذا انتخبت هذه المرة فسأوزع مواهبي وجهودي بالعدل بين الحكومة والأمة، وبين القرية و (الدائرة). سأنظر بعين الرحمة إلى ما يكابده إخواننا الفلاحون من الغلاء المرهق، والعناء المعني، والمرض المضني، والجهل المطبق، والعيش الخسيس؛ فأخفض الإيجار، وأردم البرك، وأرمم المسجد، وأعيد المدرسة، وأحمل الحكومة على أن تمدكم بالماء النقي والنور والكهربائي، وأن تخصكم بوحدة طبية أقل ما يكون فيها صيدلية وطبيب.
ولعلي بذلك أكون قد أوفيت لكم بذمتي، للوطن واجب خدمتي، وأديت لله زكاة قدرتي وثروتي
وكانت عين البك لا تنفك تراقب وجه الشيخ منصور، فلما رآه يتحفز للكلام بادره بقوله:
- وأنت يا شيخ منصور! ما هذا الحديث الذي قرأته لك في (الرسالة)؟
- أي حديث تعني يا بك؟
- حديثك عن صحة الفقير وثروة الغني
- لقد قلت شيئاً كهذا ولكنني لم أنشره
- زرني غدا في العزبة فأريك عدد الرسالة وأسر إليك بعض الحديث
قال البك ذلك ونهض فودع الناس ثم ركب سيارته الفخمة وذهب يعيد هذه الأسطوانة نفسها في قرية أخرى!
وأقبل القوم بعضهم على بعض يتساءلون: لماذا يعنى البك نفسه هذا العناء، ويستخذى الناس هذا الاستخذاء، وهو بحمد الله ضخم الثروة فلا يحتاج إلى مكافأة البرلمان، زمن المروءة فلا يصلح بطبعه لخدمة إنسان؟ فقال الشيخ منصور: إن في أربعين جنيها