للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عقابيل المرض والانحلال في عهد الشيخوخة، وإذا هو بعد ذلك مدرج في الأكفان، ملقىً إلى ظلمات القبور.

هو في مراحل عمره مشغول بكل شيء إلا ما يجب أن يشغل به أولاً. . .

ولكن قد يصحو أحدهم من ذهول الطفولة أو من عبث الشباب صحوة المحموم الهادي، فترة قصيرة يرى فيها وجه الحياة، ثم تعاوده أخذة الحمى فينتكس. . .

وقد يدرك أحدهم وجه الحياة وهو في مشاغل الكهولة، ولكن يعز عليه أن يفارق طريق الجماعة ويبتدئ بناء حياته على ما أدرك فيمضي في طريق القافلة التائهة. . .

وقد يصحو أحدهم الصحوة الدائمة وهو في انحلال الشيخوخة فيعوزه ويؤوده أن يجاهد في سبيل إفهام الناس وإقناعهم بما أدرك فيمضي مغيظا محسوراً يردد:

أواهُ لو عرف الشبا ... بُ، وآهِ لو قدر المشيب!

ما استقامت قناةُ رأييَ إلا ... بعد أن عوَّج الزمان قناتي

فلا مفر إذاً من ترقب عهد اليقظة وتفتح المدارك عند الطفولة والشباب، لإدخال الفكرة الصحيحة عن الحياة، وغايتها إلى أذهانهم.

والفكرة الصحيحة - في رأيي - عن الحياة هي فكرة التفاؤل الرحب والتأويل الواسع لما عسى أن يكون في الحياة الطبيعية من آلام، وفهم الحياة على أنها فرصة للفرجة والاطلاع على أسرارها، وأنها سفر في مجاهل الكون. ولابد للسفر من بعض المشقة. . . ولكنها ليست مشقة النزاع والخلاف بين الركب المسافر، فإن ذلك جناية الركب وليست جناية الطريق. . .

ومن الهين على العقل أن يهدأ ويستريح لهذه الفكرة متى أدرك أن دخولنا إلى الحياة لم يكن باختيارنا، وأن إنشاء الكون وتهيئة الأرض وإعدادها للسكنى بالحرارة والماء والضوء والغذاء والهواء والإنبات والإنسال ليس لنا أيضاً رأي فيه أو اختيار، فلا مفر لنا إذاً من الخضوع والتسليم والاندفاع مع عجلة الحياة، والاجتهاد في التحري عن قوانين الطبيعة التي وجدنا أنفسنا في نطاقها وإسارها، والتلمس للغايات التي يصح أن تكون أهدافاً لإيجادنا في الحياة

وما أريد أن أستند في تركيز هذه الفكرة إلى دين متوارث أو إلى رأي مأثور، وإنما

<<  <  ج:
ص:  >  >>