للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وسط ألغازها ومشقاتها كأطفال في صحراء، وكانت أكثر علومهم نظرية تجريدية تتخيل، وتفرض وقليلاً ما تجرب وتعمل، وكانت آراؤهم مبنية على ما يأخذونه من الأقوال المأثورة التي هي خواطر ابتدائية لفهم الحياة، وكانت الأرض نفسها مبهمة مجهولة لديهم، والأهوية والأمواه والنباتات والأمراض والنجوم ومواقع البلاد وأجناس العباد والنباتات والحيوان مجهولة العناصر والمناشئ. . .

أما الآن فالناس جميعاً يقرءون أو تقرأ ناشئتهم المثقفة على الأقل كتاباً واحداً هو الطبيعة ذات العلوم (الموضوعية) التي لا تتبدل بتبدل الأمكنة والأزمنة والأجناس

فجدير بهم ان يأخذوا عقائد جديدة من الحياة الجديدة. ولاشك إنها ستكون واحدة لوحدة المصدر الذي يأخذونها منه؛ ثم يرتدوا بعد ذلك للعقائد المسطورة في الصحف الموروثة، فما وجدوا فيه مصداقاً لما أخذوه من الطبيعة أبقوه، وما وجدوا فيه خلافاً عليها طرحوه وراءهم ظهرياً، وحاذروا أن يلقنوه الناشئين فيزيفوا عقائدهم.

أجل، في عالم الكلام المسجل كثير من القضايا التي لا وجود لها في الطبيعة. وكل ما في الطبيعة حق يجب الاعتراف به حتى الشر! فهو مخلوق بالحق وللخير: يخدمه ويشير إليه

ولو علم المتكلمون ووارثو الكلام انهم كثيراً ما يقولون ما لي له وجود، وأنهم يخلقون عوالم من الأفكار والآراء لا تمكن الحياة فيها، وأن الأحلام والأماني الكواذب وضباب الأفكار كثيراً ما تسبق إلى ألسنتهم وأقلامهم، إذاً لحرصوا غاية الحرص - إن كانوا أمناء على الحياة - على أن يكون كلامهم وفنهم مرآة للحق الذي في الطبيعة وحده!

إن الطبيعة ثابتة كما نعلم، ولكن النفس فيها طبيعة التغير والتطبع والمرونة تحت تأثير الأفكار، والأفكار أمهات الأعمال

وضلال أكثر النفوس ناشئ من أنها لو توضع في المواضع التي تتسلط عليها فيها عوامل الطبيعة المباشرة ليكون عقلها صورة من التجارب التي فيها، بل وضعت تحت تأثير تلك الأقوال المغلوطة عن الحياة والقدر والعجز الإنساني والأحلام الكواذب فهي تنظر للحياة بما في نفوسها من آثار ذلك وتحكم عليها به

ولو ذهبت أتقصى الضلالات المسطورة في الكتب والموروثة في العقول سواء في الفضائل أم في الرذائل، إذاً لأخرجت عددا من الفضائل ووضعته في الرذائل وعكس ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>