والخلاف لمجرد الحسد والحقد ومطاوعة الغرائز الدنيا التي يجب أن يحد من شرتها ما دام قد ارتضى حياة المدنية والجماعة المتعاونة المتفاوتة في الكفايات
وإذا نحن تأملنا عالم الشر والألم وجدنا أكثر من تسعة وتسعين في المائة منه ناشئا من جنايات الإنسان، والباقي مرده إلى الأسباب الطبيعية
وصدق قول القرآن:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا)
وصدقت الخنساء:
إن الجديدين في طول اختلافهما ... لا يفسدان ولكن يفسد الناس
فليس من الإنصاف إذاً في الحكم على الحياة أن نخلط بين الأسباب الصناعية والأسباب الطبيعية للآلام فندخل جنايات الإنسان في نطاق الطبيعة، ونجعل فساده سبباً في إرسال خواطر الشؤم والسخط على الحياة وواهبها. وإنما الإنصاف أن نعمد إلى النفس البشرية فنجعلها في انسجام وتوافق مع قوانين الطبيعة فلا نضيف للطبيعة شراً ليس فيها. . .
ونحن قد حملنا الأقدار العليا أكثر مما تحتمل، فنسبنا إليها ما نقترفه نحن من جرائم، وزعمنا إنها راضية عن حياة الاجتماع الحالية، ووقفنا منها موقف اللائمين. ولو فهمنا الأقدار التي استأثرت بها اليد والأقدار التي خولت الإنسان التصرف فيها، وفهمنا القدرة العجيبة التي للفكر البشري والجهد البشري على تغيير الأوضاع في الأرض، وتأملنا تغير الإنسان وثبات الطبيعة في دوراتها الأبدية الكبرى، وطواعية كل شيء للإنسان بسلطان العلم والتنظيم، وأخذنا عقائدنا في الحياة وفي النفس مما تسمح الطبيعة لنا بالتصرف فيه، وأدركنا الخطوات السريعة التي خطاها الإنسان في سبيل الانطلاق والسيطرة والتحرر من القيود والقدرة على طرح كثير من القيود على مرافق الطبيعة لتسخيرها، إذاً لكان لنا من ذلك كله رأي جديد في أنفسنا وفي الحياة وفي سلطاننا عليها، ولحملنا ذلك على تلمس النقص والفساد في نفوسنا لإكماله وإصلاحه لا في الطبيعة البريئة من كثير مما تنسبه إليها.
ولكننا مع الأسف الشديد لا نزال نأخذ عقائدنا في الحياة وفي الإنسان من منطق العجزة الأولين الذين كانت الأرض مغلقة الأبواب في وجوههم، وكانت الحياة جديدة عليهم، وكانوا