فهو الشاعر الذي عاش لأمته فاستوحاها وأوحى إليها، والذي ما خفق قلبه إلا بحبها، وما توجع واضطرب إلا لمصائبها وهوانها، والذي ما جرى لسانه إلا بذكرها، وما شدا إلا بآمالها وأمانيها
غنى لها، وغنى، ولكنها تجاهلته حينا واضطهدته أحياناً أخرى واهتزت جزعاً وحزناً حين فقدته
غنى لها حين ألفاها سادرة في الضلال تتثبط في رهج الوني والعجز، وتتعثر في دياجير الخمول والفتور، ليوقظها من سباتها العميق ويمهد لها سبل الإفلات من ربقة هذه الغفلة، فهو القائل:
تيَّقظت الأقوام من غفلة لها ... ونحن بحال لم نزل فيه نهجع
والقائل:
أيها الشعب طال نومك فأيقظ ... للمساعي فالليل صار نهارا
وليبعث فيها من الثقة والعزم ما ييسر لها تحطيم أصفاد اليأس ونضو ثياب الذل ومجاراة الأمم التي سبقتها في مضمار التقدم والرقي فقال:
يا قوم قد وعر الطريق أمامكم ... فإذا عزمتم تسهل الأوعار
إن التوقف في زمان حازم ... فيه تقدمت الشعوب، لعار
والقائل:
أمة تكسر الرتاج إذا ما ... وجدت دون ما تريد رتاجا
وغنى حين رأى الجهل يرين على العقول فيكبحها عن الرشاد والسداد ويهوي بها إلى وهدة الزيغ، ليرفع عن مداركها آصار الأفن ويدر أعوادي الطيش ويخفف عرام الأمية فقال:
العلم ثروة أمة ويسار ... والجهل حرمان لها وبوار
وقال:
لا يأمن المدلج الساري تورطه ... ما لم يوطد له من عقله سندا
وقال:
استنيروا بالعلم فالعلم نور ... إنما بالعلوم تنفي الشرور