استحببناه، ووالله إن الإنسان ليخرج من البيت إلى الطريق كأنه على العكس خارج من الطريق إلى البيت، لأن في الظلام معنى الاستكنان والإيواء، وفي النور معنى العموم والشيوع. فإذا تجاوز أحدنا الباب فكأنه خارج من عالم حافل بالناس والمناظر إلى عالم لا مناظر ولا ناس فيه.
قلت: ما أدري إن عشنا كيف تفاجئنا القاهرة أول ما تضاء كما تضاء في أيام السلم قبل سنوات؟ أخالنا سنحسبها ليلة عيد أو مهرجان؛ وأخالهم لا يصنعون في احتفالهم بالسلم أكثر من إضاءتهم المدن كما كانت تضاء.
قال صاحبي وكأنه خاف على ظلامه الذي ألفه واستراح إليه: أو عائدون نحن إلى تلك الأضواء المسرفة لا محالة؟ لم لا نستفيد من دروس الحرب ونقنع بهذا النصيب من النور الذي يهدينا إلى حيث نشاء؟ فإن لم يقنعنا هذا النصيب فلم لا نزيده بمقدار ما نتقي بعض الأضرار التي نحذرها الآن؟. . . لم لا نقنع بربع ذلك الضوء الذي كنا نسفكه على الأرض أو على الوجوه التي هي شر من الأرض قبل سنوات؟
قلت أداعبه: نعم. أو على الوجوه التي تعدها الآن ولا تراها!! ولو رايتها لما كنت ارتقيت بالتعداد إلى العشرين وما فوق العشرين!
وكان صاحبي جائعا فوقف عند دكان من دكاكين الشطائر وقال: بإذنك يا عضو المجمع اللغوي. . . ألا تأذن لنا في (شاطر ومشطور والطازج بينهما)؟
يريد صاحبي ما شاع على ألسنة العامة من تسمية المجمع للشطيرة أو (السندويتش) بذلك الاسم المطول الذي يدل على وليمة كاملة، لا على لقمة تتناولها الإصبعان.
قلت أداعبه أيضاً أو أنتقم منه: بل في بلغة إن أردت!!
قال: أو هذه تسمية المجمع؟ أو هو تصحيح وترجيح؟
قلت: إنك لأحرى أن تصدق هذه التسمية الصحيحة من تصديقك تلك التسمية التي لا تساغ ولو على سبيل المزاح. والبلغة أخف من الطازج بين الشاطر والمشطور.
ثم ذكر صاحبي أن اليوم من أيام النبات وليس من أيام اللحوم. فعاد إلي يرد انتقامي وسألني:
أو يعجب هذا صاحبك المعري؟. . . ما زلتم تهتفون باسم هذا الرجل حتى أوشكنا أن