نقتصر على العدس والتين مثله. فلا تزيدوا بربكم من ذكره لكيلا نلتزم البيوت ولا نرى في الدنيا غير الظلام. . .!
قلت: وما بالك لا تحسبه درسا من دروس الحرب الباقية؟ وما بالك لا تحمد لنا أن ذكرنا المعري حتى أوشكنا أن نرضيه وأن نقتدي به في طعامه؟
وكانت نوبة الاعتبار والاتعاظ مالكة زمام الصديق في تلك الليلة، فأخذ في تفصيل هذا الدرس الجديد، وطفق يقول ويكرر: ولم لا؟ ولم لا؟ إننا تعودنا ونعم العادة ما تعودنا. . . فلنمض في ذلك طائعين ننسى غدا أننا مضينا فيه أيام الحرب ونحن كارهون.
وراح يقول: أو ليس هذا ضرباً من الصيام المحمود؟ أليس فيه ما في الصيام من شعور بالمساواة بين الأغنياء والفقراء؟ أليس فيه ما في الصيام من ضبط للنفس وكبح للشهوات؟ أليس فيه قصد ومنفعة؟ أليس فيه صحة وحمية؟ أليس فيه تآزر بين البيت والأمة فلا يأكل البيت إلا بمقدار ما تسمح الأمة؟
قلت: بلى، فيه هذا وفوق هذا
فظن أنني أمزح سأهزأ به فتأهب قائلا: وما فوق هذا؟
قلت: على ربعك! لست أمزح ولا أنوي أن أستهزئ بنوبة عظاتك في هذه النوبة. . . إن الأيام التي خلت من اللحوم لفيها ما ذكرت وزيادة: فيها الحمية والقصد وضبط النفس والمساواة بين الغني والفقير، وفيها أنها ستبصرنا بمنافع السمك وطالما عجبت لإهمال المصريين إياه.
فمصر يحف بها بحران عظيمان، وفيها بحيرات كبار، ويتخللها النيل وليس هو أغنى هذه الموارد بالسمك النافع، ولكنه مورد لا نستفيد منه كل ما يستفاد
وقد كانوا في مصر القديمة يستفيدون منه ويأكلون سمكه أيام الفيضان، ويملحونه ليحفظوه إلى الفيضان المقبل، لأنهم كانوا يجهلون من أساليب الصيد في البحار وتوليد الأسماك فيها ما نعلمه الآن
أما نحن فعندنا الزوارق البخارية والوسائل العصرية والمعرفة بعلوم الأحياء. فلماذا لا نستكثر من أكل السمك وهو غذاء صالح للأجسام والعقول؟