ظهير الدين أبا الحسن علي ابن أبى القاسم زيد البيهقي (المتوفى عام ٥٦٥ هجرية) يحدثنا في كتابه (تتمة صوان الحكمة) عن رجل يعرف بيحيى النحوي الديلمي الاسكندراني الملقب بالبطريق، فيقول عنه إنه كان من قدماء الحكماء وأنه كان نصرانياً فيلسوفاً، فأراد عامل علي بن أبي طالب إزعاجه عن فارس وتخريب ديره فكتب يحيي قصة إلى أمير المؤمنين وطلب منه الأمان، فكتب محمد ابن الحنفية له كتاب الأمان بأمر أمير المؤمنين. ويقول مؤلف الكتاب أنه رأى نسخة هذا الكتاب في يدي الحكيم أبى الفتوح المستوفي النصراني الطوسي وكان توقيع علي بن أبي طالب عليه.
ويضيف البيهقي على روايات من تقدمه من المؤلفين قوله إن خالد بن يزيد بن معاوية أخذ الطب عنه، وإن أكثر ما أورده الإمام حجة الإسلام الغزالي في تهافت الفلاسفة هو تقرير كلام يحيى النحوي، وقد وافقه على هذا الرأي الشهرزوري الشهير أيضاً وقد قال إنه ألف كتباً ورد بها وفيها على أفلاطون وأرسطو حين همت النصارى بقتله، ولا يتعرض بعد ذلك إلى حادثة التقائه بعمرو ولا إلى قصة الحريق المزعومة.
ومشكلة المشكلات هي قول الرواة العرب إنه كان أسقفاً على الإسكندرية وانه عاش في زمان عمرو. وعلى كل فالرواية اليونانية السريانية تعارض هذه الرواية العربية ولا تعترف به كأسقف على الإسكندرية أبدا. والرواية العربية على ما يظهر مستقاة بعضها من بعض؛ فقصة الحريق مأخوذة عن ابن العبري وابن العبري ينقل عن ابن القفطي، وابن القفطي ينقل متن الرواية بدون ذكر حادثة الحريق من الفهرست لابن النديم؛ ولم يذكر ابن العبري نفسه في كتبه السريانية: الكنيسة منها والمدنية، قصة الحريق مما يدل على إنه لم يجد ذلك في كتب السريان.
الحق أننا أمام مشكلة تاريخية فلسفية عويصة، فالرجل مهم جداً في بحث الفلسفة العربية والعقلية الإسلامية، والموضوع معقد لا يعالج في صفحات. ولابد للباحث من تقليب المصادر اليونانية والسريانية والقبطية والعربية أيضاً للحكم بصورة قطعية على شخصية وعصر هذا الفيلسوف الذي هو حلقة وصل بين العقليتين: العقلية اليونانية المسيحية، والعقلية العربية الإسلامية.