للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويختم إخوان الصفاء كل رسالة بنصيحة للأخ البار الرحيم حتى يتفهم غرضها ويعرف أسرارها. ثم إنهم كانوا يكثرون من القصص على لسان الحيوان، ويدلون بأشياء لو صرحوا بها لفضح أمرهم وانكشف سترهم. ومهما يكن الأمر فرسائلهم سهلة الأسلوب خالية من السجع والمحسنات البديعية، واضحة العبارة أحياناً، غامضة في الغالب من حيث المقصد والغاية. وقد ذكرنا في المقدمة أن الغرض من تأليفهم هذه الرسائل بث تعاليمهم السرية وإيجاد طبقة من الشعب مثقفة تقود الرأي العام إلى أغراضهم السياسية وهي قلب نظام الدولة.

آراؤهم الخيالية

لا نريد أن نتعرض في هذا البحث إلى كل ما تناوله إخوان الصفا في رسائلهم من خرافات، وإنما الذي يهمنا أن نضرب أمثلة على إغراقهم في الخيال أحياناً. فأنت تراهم مثلا في رسالة العدد، وعلى العموم في الرياضيات يتبعون الفيثاغوريين، فلا يهتمون في البحث في علم الحساب كما يهتمون بتبيان خواص الأعداد والكلام عن موسيقى الأفلاك. . . الخ؛ وهاك مثلاً على ذلك: (اعلم بأن كون العدد أربع مراتب آحاد وعشرات ومئات وألوف ليس أمرا ضروريا لازما لطبيعة العدد، ولكنه أمر وضعي رتبته الحكماء باختيار منهم، وإنما فعلوا ذلك لتكون الأمور العددية مطابقة لمراتب الأمور الطبيعية، وذلك أن الأمور الطبيعية أكثرها جعلها الباري والبرودة جل ثناؤه مربعات منها: الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ومثل: الأركان الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض، ومثل الأخلاط الأربعة التي هي الدم والبلغم والصفراء والسوداء، ومثل الأزمان الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء، ومثل الجهات الأربع. . . الخ)

والواحد من الأعداد هو أصل كل الأعداد، وعنه تصدر بالتكرار ويذهبون مذهب الفيثاغوريين في ذلك وهو أن الواحد أصل الوجود وإن حاولوا التوفيق بين الدين والفلسفة: (واعلم أن الباري جل ثناؤه أول شيء اخترعه وأبدعه من نوره جوهر بسيط يقال له العقل الفعال كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار، ثم أنشأ النفس الكلية الفلكية من العقل، كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين؛ ثم أنشأ الهيولي الأولى من حركة النفس كما أنشأ

<<  <  ج:
ص:  >  >>