صاحب العزبة في شؤونه الخاصة: استصلاح الأرض والانتفاع بكل ما فيها؛ ثم تدبير القوت والصحة والمعرفة لكل من يقوم عليها. ليس لنا مستعمرات تقتضي إدارتها النشاط والحكمة، ولا أسواق تجارية تطلب مراقبتها الذكاء والخبرة، ولا سياسة خارجية تحتاج معالجتها الدهاء والقوة. هاهي ذي عشرون سنة مرت على مصر ولها استقلال وفيها برلمان، فهل تستطيع أن تقول أن المصري الآن، اصبح خيراً مما كان؟ أن هذه العشرين سنة غيرت نظماً وخلقت أمما وقلبت الدنيا كلها رأساً على عقب؛ ولكنها مرت على النائمين في الكهف مرور الحلم المزعج، حرك الأجسام بعض الحركة، وترك المشاعر ساكنة كل السكون
- ما هذه الفلسفة يا شيخ منصور؟ هل تستطيع أن تقول لي أنت متى تركوا الحكومة تستقر، وخلوا البرلمان يعمل؟ أن الدستور في الأمة كالمصباح في الصحراء، لا ينشر ضوءه إلا إذا تركته الرياح آمناً
- لو تفلسفت يا بك كما أتفلسف لتبينت أن استقرار الحكومة واستمرار البرلمان لا يكونان مع سياسة الكلام، فإن سياسة الكلام هي سياسة الفراغ، وإذا شغلها شال فهو المراء والمكابرة والمهاترة والخصومة. وكلما علا صوت عل صوت، وظهرت دعاية على دعاية، انقلبت الأوضاع، وتغيرت المكاتب، وتبدلت المناصب، وتعطلت المواهب، وتقوض المبنى، وانتكث المفتول، وتوقف السائر. أما سياسة العمل فتهيئ لكل ذهن ما يشغله، ولك يد ما تعمله. وذا اشتغلت الأذهان وعملت الأيدي، عيت الألسنة فلا تجادل، وائتلفت القلوب فلا تختلف، وانقطع دابر القوالين فلا تعود الحزبية تجارة ولا السياسة حرفة
- أن الدلائل يا شيخ منصور تبشر بصلاح الحال. وما دام الأمر في يد أهله فانظر إلى المستقبل نظر المتفائل الآمل
- لا تكلني إلى المستقبل يا بك. أن من يضيع يومه لا يجد غده. ومن يفرط في عاجل الشهادة طمعاً في آجل الغيب كان حقيقاً إلا يدرك شيئاً
- وماذا تريد أن اصنع لك الآن؟
- أريد أن تنزل عن مكافأتك النيابية لدائرتك الانتخابية. أنك والحمد لله ضخم الثراء رفيع العيش، فلا أقول أنك طلبت النيابة كما يطلب الناس الوظيفة. وإن أربعين جنيهاً في كل