في سنة ٧٧٦ ميلادية، أي بعد مائة وستين عاماً من هجرة النبي محمد، كان ميكادي خليفة في بغداد؛ وكان أميراً نبيلاً ذا بأس وقوة، فخشيه جيرانه وقدروه وبجلوه. وفي ظل حكمه العادل تمتعت بلاد العرب بالسلم والرخاء. وكان الخليفة راعياً للعلوم والفنون فتقدمت الحضارة في عهده تقدماً سريعاً، إلى أن كدر صفو هذا الهدوء، والتقدم قيام متنبئ جديد. ظهر هذا الرجل واسمه حكيم في مدينة خراسان فتبعه خلق كثير في وقت قصير. وكان طويل القامة فصيح اللسان فادعى أنه صوت الله على الأرض وقال: أن الواجب أن يكون الناس جميعاً من حيث المراتب والثروة سواء. واستهوى هذا القانون أفئدة الدهماء فهرع إليه ألوف من الناس وكان له بذلك جيش عظيم
ولما رأى الخليفة والنبلاء خطر هذه الثورة عقدوا العزم على خنقها في المهد؛ ولكن جيوشهم كانت تلاقي الهزيمة تلو الهزيمة فازداد بذلك أنصار حكيم يوماً بعد يوم
وبينما كان هذا النبي في أوج مجده إذا به يصاب بمرض شديد، وكان هذا المرض نتيجة الجهد المضني الذي بذله في المعارك التي خاض غمارها. فلما خفت وطأة المرض ونال الشفاء أيقن أن حسنه قد ذهب، وأنه لم يعد بعد خير رجال العرب وأوسمهم إذ كان قد عمى وخبا إلى الأبد ضوء عينيه الرائع
ولما أحس بأن هذا التشويه الطارئ قد يفقده السيطرة على اتباعه والتأثير فيهم، رأى أن يحجبه عن أعينهم بقناع من فضة وضعه على وجهه. فلما فعل ذلك عاد إلى الاتصال بهم والتجول بينهم يخطبهم ويؤثر فيهم بفصاحته المعهودة، فظل الناس مأخوذين بعذوبة لسانه وسحر بيانه كما كانوا من قبل؛ وكان يعلل لهم إخفاء وجهه عنهم بأنه يخشى عليهم أن يبهر أعينهم ذلك الضوء الفياض الخارق للطبيعة الذي ينبعث منه. إذ تبين له أن الظرف الحالي يقضي عليه بأن يعتمد أكثر من ذي قبل على الحماس الديني الذي أوقد شعلته وأثار كوامنه في نفوسهم
ولكن هذه الحال لم تدم كثيراً إذ أصيب اتباعه فجأة بهزيمة منكرة على أيدي جيوش الخليفة؛ فكانت هذه الهزيمة صدمة عنيفة وجهت إلى صميم هذا الدين الجديد؛ فهجر حكيما كثير من أنصاره، وتراجع هو ومن بقي معه من اتباع قلائل إلى مدينة محصنة محوطة بأسوار عالية؛ ولكنه لم يلبث قليلاً حتى أحدق به جند الخليفة وحاصروه