الإنسان ذلك باختياره وإرادته على ما ينبغي بمقدار ما ينبغي، من أجل ما ينبغي، كان صاحبه محموداً؛ ومتى كان بخلاف ذلك كان سفيهاً جاهلا وكل نفس خادمة للنفس التي أعلى منها، وصلاحها في امتثالها لأوامرها
قوى النفس
وللنفس الإنسانية قوى كثيرة تساعدها على أن تصير عقلا بالفعل، وأفضلها القوى المفكرة لأنها تؤدي إلى المعرفة، والمعرفة لباب حياة النفس. ونفس الطفل في أولها صحيفة بيضاء لم ينقش عليها شيء، وكل ما تحمله إليها الحواس الخمس تتناوله القوة المتخيلة وتجمعه، ومجرى هذه القوة مقدم الدماغ، ثم تدفعه إلى القوة المفكرة ومسكنها وسط الدماغ، وهي تميز بعضه من بعض وتعرف الحق والباطل، ثم تؤديه إلى الحافظة التي مجراها مؤخر الدماغ. والقوة الناطقة تعبر عما في النفس بالألفاظ للسامعين، أو تقيدها بصناعة الكتابة، فيكون للنفس خمس حواس باطنة تقابل الخمس الظاهرة
الموت والحياة
الإنسان مكون من جسم ونفس روحاني، والجسم يريد البقاء في الدنيا، والنفس الروحانية تريد الرحيل إلى الآخرة؛ وعلى هذا فالموت والحياة نوعان: جسدي ونفساني، والحياة الجسدية ليست شيئا سوى استعمال النفس الجسد، والموت الجسدي ليس شيئاً سوى تركها استعماله؛ كما أن اليقظة ليست شيئاً سوى استعمال النفس الحواس، وليس النوم شيئاً سوى تركها استعمالها، أما النفس فحياتها ذاتية لها، وذلك أنها بجوهرها حية بالفعل علامة بالقوة فعالة في الأجسام والأشكال، وموتها هو جهالتها بجوهرها وغفلتها عن معرفة ذاتها، وذلك عارض لها من شدة استغراقها في بحر الهيولي، فكما أن ولادة الطفل ليست شيئاً سوى خروجه من الرحم، فكذلك ولادة النفس ليست شيئاً سوى مفارقة النفس إياه، والنفس لا تعرف السعادة إلا بعد ما تفارق الجسم، وعلى ذلك فالموت حكمة لأنه سبب لحياة الأبد
وبعد مفارقة النفس الجسد تبقى الشقية هائمة بهمومها معذبة دون فلك القمر، سائحة في بحر الهيولي، هاوية في عالم الكون والفساد مع أبناء جنسها من الأمم الخالية إخوان الشياطين وجنود إبليس أجمعين:(كلما دخلت أمة لعنت أختها)