وهذه هي جهنم عند أخوان الصفاء، ونراهم يتابعون فلاسفة اليونان والمسلمين في قولهم يحشر الأرواح دون الأجسام، وإن العذاب عذاب الروح لا الجسد. ولقد رد عليهم الغزالي في تهافت الفلسفة رداً لا باس به
أما النفوس الخيرة عند أخوان الصفاء فتصعد إلى عالم الأفلاك وتصير ملائكة بالفعل، وهذه هي الجنة عندهم؛ والثواب هنا ثواب روحي لا جسدي. ولقد فصل الفارابي هذه النظرية في مدنيته الفاضلة ووضحها ابن سينا في النجاة والشقاء
خلود النفس
يعتقد إخوان الصفاء اعتقاداً جازماً الأجساد حبس للنفوس أو حجاب لها أو صراط أو برزخ، والنفوس تعلم تمام العلم بأن لها وجوداً آخر خيراً وأبقى وألذ وأحسن من هذا الوجود والبقاء الذي مع الجسد، فإذا استتمت الأنفس الجزئية وكملت صورتها ومعارفها، واستيقظت من هذه الغفلة وأحست بغربتها في هذا العالم الجسماني وأنها في أسر الطبيعة تائهة في بحر الهيولى، وعرفت فضيلة جوهرها ونظرت إلى عالمها، وشاهدت تلك الصور الروحانية المفارقة للمادة، إذا أدركت هذا كله هانت عليها مفارقة الجسد وسمحت بإتلافه وفي هذا سعادتها
وموت النفس هو جهلها بجوهرها وغفلتها عن معرفة ذاتها، والنفوس السعيدة هي التي قطعت أيام الحياة الدنيا بالأعمال الصالحة وسارت سيرة عادلة، وتخلقت بأخلاق جميلة، وبحثت عن حقائق المعقولات وأحكمتها؛ فإذا ما بلغت آخر العمر اشتاقت إلى مفارقة هذه الحياة، فلو لم يكن الموت لما أمكنها الصعود إلى ملكوت السماء ولا الوصول إلى الجنة
وعلى العكس من ذلك نفوس الأشقياء، فإنها بما اعتادته من لذات هذه المحسوسات، وقد منعت الوصول إليها والعودة للجسم نقول:(يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل) وتبقى متألمة بذاتها معذبة من سوء عاداتها دون فلك القمر
وعلى هذا فالنفوس البشرية الخيرة ملائكة بالقوة، فإذا فارقت أجسادها كانت ملائكة بالفعل. والنفوس الشريرة شياطين بالقوة فإذا فارقت أجسادها كانت شياطين بالفعل
أما يوم القيامة ونهاية العالم فيكون بمفارقة النفس الكلية للعالم ورجوعها إلى الله