للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لماذا يا عدالة السماوات والأرض؟ أفي الحق ذلك؟

كلا! فليست العدالة هي التي قسمت هذا وقالت به. . . وإنما هي العقول السطحية اليائسة القاصرة قالت به. . .

ولكن عدالة الأكوان ومنطق القلوب - أوعية الحياة - هما يقولان ببقاء هذه النفس لهذا الكون ونقلها إلى جمال أكمل وأسمى وأدوم، وعالم من القدرة والتسلط أكثر هولاً وفناً وأعظم، وعالم من الانطلاق والتحرر أرحب وأنعم!

والموت الموعد!

١٤ - تهافت الغايات إلا غاية واحدة

وإني لأهتف حين تهب على قلبي نسمات خفية تثير فيه حساسيته بالدوام والخلود واللانهائية. . . ثم أرى أمامي كل غايات الحياة الأرضية متهافتةً أمام العقل لا تقنع عشاق الخلود والآملين فيه:

هل لي يا سيد الوجود شيء في ملكوتك الجميل الخالد يبقى وأحوزه لنفسي بعد فنائي ورحيلي من هنا؟

أم أنا ذاهب من كل هذا الجمال ومعاني الآمال كتبنةٍ ذهبت مع الريح، أو ورقة أحرقت في موقد، أو حشرة عمياء صغيرة سحقت تحت قدم. . .؟

وهل يكون نصيبي من ملكوتك هذا الرحب الواسع الغني بمعاني الحياة مكاناً مبهماً في جوف الظلمات وأطواء العدم وسكون الجمود، حيث لا إحساس بهذه الحياة ولا بما وراءها. . . وحيث لا أمكنة لأشياء إذ لا أشياء إلا تلك الصورة المطموسة التي ينقلها الخيال الإنساني من عالمها هنا إلى هناك، حين عجز أن يتخيل الفراغ والعماء؟!

إنني يا سيدي لا أصدق، لأن ضميري قطعة من ضمير الوجود كله. . .!

وكيف أصدق أن ما في عيني من الصور، وما في سمعي من النغم، وما في قلبي من أحاسيس، وما في فكري من قضايا الكون والفساد وأحلام الكمال، تذهب هكذا كأن لم تكن!

إنهم أطفال أولئك الذي يقصر خيالهم عن إدراك المدى الحيوي الباقي للإنسان وراء هذه الحياة الدنيا، كما يقصر خيال الطفولة عن إدراك عالم الرجولة وبلوغ الأشد في دنيا الأجسام. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>