للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأزهر الآن أحد مشاهير العلماء المعاصرين. وهو وإن يبلغ في التوحيد والفقه مبلغ بعض معاصريه كالشيخ القويسني خاصة، ضليع في الأدب. وهو مؤلف كتاب (الإنشاء) الذي يعتبر مجموعه فائقة من الرسائل العربية في مختلف الموضوعات، وضعها نموذجاً للأسلوب الإنشائي. وقد طبع هذا الكتاب في مطبعة بولاق. وقد ذكرت أسم هذا المؤلف تنفيذاً لوعد قطعته على نفسي، إذ طلب أن أنوه بمعرفتي له وأن أبين رأيي في علمه ظنا أنني سأنشر في بلدي أحاديث عن أهل القاهرة

وقد أشتهر بحق الشيخ محمد شهاب بجودة أدبه ورقة شعره. وكان أنسه وذكاؤه يجذبان الأصدقاء إلى منزله كل مساء، وكنت أحياناً أشترك في مسراتهم. فكان الشيخ يستقبلنا في غرفة صغيرة مريحة، فيدخن كل منا شبكه، وتقدم إلينا القهوة. وكان حديث الشيخ أعذب ما يقدم لنا. وفي القاهرة أيضاً علماء يتمتعون بشهرة عظيمة في اللغة والشعر. ويستحق الشيخ عبد الرحمن الجبرتي - وهو من مؤلفي القاهرة المتأخرين - أن يشار إليه بصفة خاصة، إذ أنه وضع تاريخاً جليلاً لحوادث مصر منذ القرن الثاني عشر لهجرة. وقد توفي عام ١٨٢٥ أو ١٨٢٦ عقب قدومي القاهرة لأول مرة. وتنتمي أسرة الشيخ الجبرتي إلى الجبرت في جنوب شرق الحبشة على شاطئ المحيط، ويدين أهل جبرت بالإسلام، ولهم رواق في الأزهر، ومثل ذلك في مكة المكرمة، وفي المدينة.

لم يعد الشعر الجاهلي يفهم على حقيقته في القرنين أو الثلاثة الأولى للهجرة لغرابة ألفاظه، فمن باب أولى لا نجد الآن من يستطيع شرح هذه النصوص القديمة. غير أن هناك في مصر من تضلع من علوم الصرف والنحو والبلاغة والأدب بالرغم من سيادة التوحيد والفقه في هذا البلد. وقلما عرف علماء مصر تاريخ بلدهم معرفة جيدة، وأقل من ذلك معرفتهم بتاريخ الأمم الأخرى. أما الذين لا يحترفون الأدب من سواد الشعب فمحصولهم الأدبي منحط النوع. ويجيد الكثير من التجار الأغنياء فن القراءة والكتابة، ولكن قل من يخصص أكثر وقته لدراسة الأدب. ويعتبر من حفظ القرآن جميعه أو أكثره، واستطاع أن يتلو قصيدتين أو ثلاثاً، أو يضمن الحديث بعض الأمثال، رجلاً كامل الثقافة. وهناك تجار في القاهرة أميون فيلجئون إلى أصدقائهم ليكتبوا لهم حساباتهم ورسائلهم. إلا أن هؤلاء التجار لا يهتمون بذلك على العموم، فيقومون بعمليات حسابية ذهنية معقدة بسرعة فائقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>