وبعد الأنس بقُبلتين محرقتين مضى آدم لشهود حفلة الطيران، وهي حفلة موسمية كانت تقيمها الحمائم والبلابل والعنادل في (غابة الصنوبر) لتروض أفراخها على النهوض والتحليق. ويحدثنا شيث أن حفلات الطيران هذه كانت تجتذب جميع سكان الجنة بلا استثناء. وقد نص على أن السباع كانت تراهاً عجباً من العجب، لأنها تشهد بتنوع المواهب، وإلا فكيف جاز أن يقدر الطائر الضعيف على ما يعجز عنه الأسد الصوّال؟
مضى آدم وحده لشهود حفلة الطيران، وهو مبتسم جذلان، فقد أعفى نفسه من الحيرة في قرب شجرة التين، وأسلم مصيره إلى خالق الأنوار والظلمات، فللأقدار أن تصنع به ما تشاء
أما حواء فشعرت بحزن وانقباض حين رأت آدم لا يمانع في قرب الشجرة المحرّمة، ولهذا قّلت بشاشتها لشهود حفلة الطيران، وكذلك آثرت الاعتكاف لتنظر فيما هي مقبلةٌ عليه. . . فما الذي تأذّت به حواء وقد بلغت من ختل آدم فوق ما كانت تريد؟
نظرت حواء فرأت أن الشقاق حول الشجرة المحرمة كان فرصة لشغل آدم بزوجته شغلاً غير مقطوع، والمرأة يرضيها ويسرها ويشوقها أن يعيش الزوج وهو بها مشغول، فكيف تكون الحال بعد أكل الثمرة الممنوعة حين يصبح جميع ما في الجنة حلالاً في حلال؟
ونظرت فرأت أن الجدال حول الشجرة المحرمة ألانَ لسان آدم وعلَّمه الحوار بأساليب لا تخلو من البراعة والظرف، وقد تصل إلى السحر في بعض الأحيان، فكيف المصير إذا تساوت قِيمُ الأشياء واستغنى آدم عن الجدال؟
سيكون الصمت من نصيب آدم حين تنعدم أسباب الخلاف، فكيف تعيش حواء مع رجلٍ صَمُوت؟ وهل قلّ صمت آدم برغم ذلك الخلاف؟ لقد كانت له تأملات طويلة ينسى بها ما حواليه حتى لتحسب زوجته أنه لا يشعر بأن لها من الوجود أي نصيب، فأي بلاء ينتظر حواء يوم تنقطع موجبات اللجاجة مع فارسها الجميل؟
في تلك الحومة كادت حواء تنتقل من المعصية إلى الكفران، والعياذ بالله، فقد جاز لها أن