تعترض على نظام الجنة، وأن ترى أنه لا يخلو من اختلال. والثورة النفسية تحيل النعيم إلى جحيم، وذلك ما وقعت فيه حواء
نظرت فرأت أن الجنة قليلة المحرمات، فهي قليلة الطيبات، وهل يستطيب الناس غير الممنوعات؟
نظرتْ في هذا المعنى ملياً ثم صرختْ:
أرى طِيبَ الحلال عليّ خُبثاً ... وطِيبَ العيش في خُبث الحرامِ
وهمّت باقتلاع شجرة التين لتحوّل الجنة إلى خراب يباب، فما كانت الجنة في نظرها غير تلك الشجرة الممنوعة، وإذا اقتلعت تلك الشجرة فسوف يرى الله أن عنايته بخلق الجنة ذهبت أدراج الرياح!
ولكن شجرة التين التي لا يساوي حطبها درهمين أعجزت حواء فلم تستطع اقتلاعها برغم ما بذلت من الجهد (المحمود) فنكصت على عقبيها وقد نال منها الإعياء ما نال
وكان المفهوم أن تخجل من الهزيمة أمام شجرة التين، وأن يزيد حقدها على الله، ولكنها فرحت حين عرفت بالتجربة أن (شجرة الشرّ) قوية الجذور، وأن الأمل في اقتلاعها ضعيف، وتمنّت أن تصبح الجنة وفيها لهذه الشجرة أمثال وأمثال
ذلك ما كان من أمر حواء، فما أمرُ آدم وقد ذهب وحده لشهود حفلة الطيران؟
رأى جميع المتفرجين يتحدث بعضهم مع بعض، وهاله أن يرى الثعلب يناجي أنثاه بجذل وانشراح، كأنه يدرك الدقائق من طيران أفراخ العندليب، ورأى الأفعى تخاطب الأفعوان بعبارات فَهِم منها أن حفر الجُحر في أصل الشجرة لا يقل خطراً عن بناء العش في أعالي الأغصان
أراد آدم أن يتكلم، ولكن مع مَن؟
لو كانت حواء حاضرة لحدثها عن ذكائه في استكشاف ما بين الخشب والماء، فقد اهتدى إلى أن من يمتطي الخشبة لا تهوله أمواج الكوثر في كثير ولا قليل، وهل يكون امتطاء الهواء أوثق من امتطاء الماء؟
لو كانت حواء حاضرة لقال لها وقال، ولكن أين حواء؟
هنا أدرك آدم أن الحياة بلا رفيق لفظٌ بلا مدلول