يجلو الغوامض، ويفتح المغاليق، وييسر المعاسير. ذلك اليومَ هو صميم الأدب، وقصارى الأديب، وذلك هو الوضع الصحيح الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة بين الأدب والعلم!
من ظن أن الأدب في هذا الزمان إنما هو أنشودة تنشد، أو أغرودة تغرد، أو خيال يسبح في جوه الهائمون، أو وصف لزهرة مشرقة، أو طائر صداح، أو عاشق ولهان، أو قلب خفاق، أو عين باكية، أو ثغر بسام، أو جمال فتان، أو قد ممشوق، فقد ظن عجزاً!
إن ذلك من الأدب حقاً، ولا يستطيع أن ينكر ذلك منكر، ولكنه اليوم ليس المثل الأعلى للأدباء، وإنما هو لون من ألوان غذائهم الروحي يتشَهَّوْنه الفينةَ بعد الفينة، وهو بعد ذلك أقرب ثمرات الأدب إلى يد الأديب وأيسرها منالاً. أما العلوم والمعارف؛ أما مشكلات الحياة وقضايا العقول؛ أما سهر الليالي ومجافاة الجنوب للمضاجع في سبيل التحصيل والتزود من زاد البصائر، فتلك هي الحَلْبة لمن أراد السباق!!
أعيذك بالله - يا صديقي - أن تستخف بأمر الفقه والأصول وأسرار التشريع، أو يثقل عليك القول في إصلاح الأزهر وتقويم ميله، أو يداخلك اليأس حين ترى الداء مستشرياً والطبيب حائراً
إن الشرق الإسلامي قد استفاق من سباته العميق، وإنه يريد أن ينهض وأن يستعيد مجده السالف يوم كان مصدر النور والمعرفة، بل يوم كان مصدر الهداية ومنبت الخير، ولو تأملنا بوادر هذه النهضة وتأملنا إلى جوانبها بوادر الانهيار، بل عوامل الدمار التي تعمل عملها السريع في إهلاك أعداء الشرق وخصوم الإسلام لكان لنا أن نؤمل دورة الفلك، وأن نأخذ في تكميل أنفسنا، وتصحيح أخطائنا، والرجوع إلى قوميتنا استعداداً لما ينتظرنا. وهذه الشريعة الإسلامية هي الشريعة التي نلنا بفضلها أسباب السماء في الماضي، ولم يجد أعداؤنا منفذاً إلينا ونحن متمسكون بها؛ وفقه هذه الشريعة هو فقه الحياة والعمل، هو فقه العدل والرحمة، هو فقه الحضارة والمدنية في أبهى صور الحضارة والمدنية؛ فإذا تكلم في شأنه المتكلمون، ودعا له الكتاب، وعرض الأدباء العاملون بعض صوره على الناس، وخلصوه مما أضيف إليه واختلط به، كل بمقدار ما يستطيع، فإنهم لا يقومون في ذلك بواجب ديني فحسب، وإنما يقومون مع ذلك بواجب قومي وطني لا مناص لأهل العلم والأدب جميعاً من التعاون على حمل أعبائه. ومثل ذلك يقال عن الأزهر: ينبغي أن يلتفت