يذيع ذلك وينشره، فيبتسم ثم يهزأ ثم يمتنع عليهم ويلح في الامتناع، لأنه كان يؤمن بأن ما يكتبه لم يصل بعد إلى أن يكون خليقا بأن يقدم إلى المطبعة، فهو كان يخاف المطبعة ويكبرها ويحيطها بشيء من التقديس غريب، وكان يتحدث بأن ما يقدم إلى المطبعة من الآثار المكتوبة أشبه شيء بما كان يقدمه الوثنيون القدماء إلى آلهتهم من الضحية والقربان، وبما يتقدم به الآن المؤمنون المترفون إلى إلههم من الصلاة والدعاء. فمن الحق أن تصطفى الضحية وأن يتخير القربان، وأن تكون الصلاة قطعة من النفس، وأن يكون الدعاء صورة للقلب، والعقل جميعا، وكان صاحبنا يرى أن ليس فيما كتب ضحية تصطفى، ولا قربان يختار، وانه لم يوفق بعد إلى أن يودع القرطاس قطعة من نفسه، أو يسطر عليه صورة قلبه وعقله، فما زالت الآماد بينه وبين المطبعة بعيدة، وما زالت الأستار والسجف دونه مسدلة، فليكتب إذا لنفسه لا للمطبعة، فإذا ضاق بنفسه وبما تملي فليظهر أصدقاءه على شيء منه ليرضي هذه الحاجة القوية التي نحسها جميعا إلى أن نشرك الناس فيما نجد من حس أو شعور، والحق أن صاحبي لم يكن يقدم على هذا الا كارهاً مضطرا حين لا يجد بداً من الاقدام، أو حين يسأله أصدقاؤه عما أحدث بعدهم، وكان حياؤه يمنعه من إظهار عقله وقلبه، كما يمنعه من عرض جسمه عاريا على الناس، ولكن أصدقاءه لم يكونوا في حاجة إلى أن يروا شخصه عاريا، وكانت حاجتهم شديدة إلى أن يروا نفسه كما هي، لأنها كانت جميلة خلابة تروعهم حينا وتثير في نفوسهم الحب والمودة دائما.
كان قبيح الشكل نابي الصورة تقتحمه العين ولا تكاد تثبت فيه، وكان إلى القصر أقرب إلى الطول، وكان على قصره عريضاً ضخم الأطراف مرتكبها، كأنما سوى على عجل فزادت بعض أطرافه حيث كان يجب أن تنقص، ونقصت حيث كان يحسن أن تزيد، وكان وجهه جهما غليظاً يخيل إلى من رآه أن في خديه ورما فاحشا، وكان له على ذلك أنف دقيق مسرف في الدقة، منبطح غال في الانبطاح، قد اتصل بجبهة دقيقة ضيقة لا يكاد يبين عنها شعره الغزير الجعد القاصم، لم تكن قد تقدمت به السن بل لم يكن جاوز الثلاثين، ولكن علامات الكبر كانت بادية على وجهه وقده لا يخدع عنها أحد، كان على قصره مقوس الظهر إذا قام، منحنياً إذا جلس، ولعل إدمانه على الكتابة والقراءة وإسرافه في الانحناء