للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طوى الأرض إلى الأنبار فاعتصم الناس بالحصون وخندقوا. فنحر أضعاف الإبل وألقاها في الخندق وعبر عليها، فاضطر أهل المدينة إلى المصالحة، ثم سار إلى عين التمر وقد اجتمع له بها العرب والفرس. وخرج للقائه عقبة ابن أبي عقبة في جموع من تغلب وأياد والنمر فانقض خالد على عقبة وهو يسوي صفوفه فاحتضنه وأسره وكفاه عناء الصفوف والزحوف فانهزم جنده، فهل عرفنا قبل خالد قائدا يخطف القواد، ليكفي الجند عناء الجلاد؟

ثم توجه تلقاء عين التمر فنزل من فيها على حكمه.

أين عياض بن غنم؟ في دومه الجندل تكالبت عليه الأعداء وأخذت عليه الطريق فاستغاث خالداً فأجابه: (من خالد إلى عياض، إياك أريد).

لبث قليلا تأتك الجلائب ... يحملن آسادا عليها القاشب

كتائب يتبعها كتائب

وسار إلى دومة الجندل فاجتمعت لحربه كلب وغسان وبهراء وتنوخ، وعلى الناس رئيسان أكيدر بن عبد املك الذي أسره خالد في غزوة تبوك، والجودي بن ربيعة، قال الأكيدر:

(أنا أعلم الناس بخالد. لا أحد أيمن طائراً منه ولا أجد في حرب، ولا يرى وجه خالد قوم أبدا قلوا أو كثروا إلا انهزموا عنه، فأطيعوني وصالحوا القوم) فلما أبوا قال: لن أمالئكم على حرب خالد، وتركهم لينجو بنفسه، ولكنه طاف يبغي نجوة من هلاك فهلك.

أخذ خالد عليه الطريق وقتله جزاء غدره بما كان بينه وبين المسلمين من عهد، ثم أتى دومة الجندل ففتحها وتألب أهل الفرس وأهل العراق على المسلمين حين علموا غيبة خالد، فرجع وهزم أعداءه في مواقع الحصيد والخنافس والمضيح والثنى والزميل.

ثم توجه إلى الفراص وهي بلدة على الفرات عندها حدود العراق والشام والجزيرة، وملتقى دولتي الفرس والروم. فلم يرهب خالد جموع الفرس والروم والعرب ومزقهم كل ممزق حتى روى الرواة أنه قتل في المعركة والطلب مائة ألف.

كانت الموقعة منتصف ذي القعدة من السنة الثانية عشرة. فقد طوى خالد وادي الفرات ما بين الأبلة والفراض في أقل من أحد عشر شهراً وانتصر في خمس عشرة موقعة لم يهزم في واحدة، أبت ذلك شجاعته، وكفايته واقتحامه الغمرات، وقتله القواد وصيته الذي ملأ جنده يقينا وعدوه رعبا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>