للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المثل في ذلك ببائيته المشهورة - أقفر من أهله ملْحوبُ - فأورد عدةً من أبياتها ثم قال: (والحق عندي أن هذه القصيدة تمثل أولية الشعر العربي خير تمثيل. . . وأن عبيداً في هذا يمثل بين شعراء عصره حال الشاعر المتخلف، لأنه لم يتهيأ له من أسباب النهوض ما تهيأ لهم. . .)

وعجيبٌ حقاً أن نهبط بابن الأبرص إلى هذا الدرك الأسفل من منازل الشعراء، وهو أحد العشرة الذين وقع الإجماع قديماً على تفضيلهم؛ ولا تعد بائيته هذه عاشرة القصائد المأثورة فحسب؛ بل يضعها بعض النقاَّد بين السبعة الأولى منها، وهي المعروفة بالمعلقات. ومن هؤلاء ابن قتيبة صاحب كتاب (الشعر والشعراء)

وينفي تهمة التخلف عن عبيد أن جميع شعره - عدا هذه القصيدة - يجري على الأوزان المعروفة في قوة وجزالة تنهضان به إلى مصافّ كبار الشعراء من معاصريه؛ فهو القائل في الافتخار بمكارم خلُقه:

لعمُرك ما يخشى الجليس تفحَّشي ... عليه ولا أنأى على المتودِّد

ولا أبتغي ودَّ امرئ قل خيرهُ ... ولا أنا عن وصْلِ الصديق بأحْيَد

وقد سجل له صاحب (البيان والتبيين) قصيدة كريمة اللفظ والمعنى يقول في مطلعها:

تلك عِرسي غضبي تريد زِيالي ... ألبَيْنٍ تريد أم لدلال؟

إن يكن طبّك الفراق فلا أح ... فِل أن تعطفي صدور الجِمال

ومما أورده له صاحب الأمالي قوله من قصيدة:

يا من لبرقٍ أبيتُ الليلَ أرقبه ... في عارضٍ كمضيء الصبح لمّاح

دان مسفٍّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح

وأورد الخطيب التبريزي في كتابه (شرح القصائد العشرة) - عند تعرضه لذكر عبيد - أن سعيد بن العاص سأل الحطيئة: من أشعر الناس؟ قال الذي يقول:

أَفلِحْ بما شئتَ فقد يُبلَغ بالضعفِ وقد يخدع الأريب!

. . . فشاعر هذا شأنه، وتلك منزلته عند النقاد والشعراء، لا ينبغي أن يوصف بالتخلف، أو ينسب إلى الجهل بإقامة الأوزان على نهجها الصحيح. وإنما الأقرب إلى الصواب - وذلك رأي خاص نتقدم به - أن تكون هذه البائية إنما جاءت على وزن أو أوزان هجرتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>