للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العرب في أواخر جاهليتها. والأوزان كانت - وما تزال - في تطور مستمر؛ ونحن لا نستسيغ منها إلا ما ألفناه وأكثر الشعراء من القول فيه. وإلا فمن منا يستسيغ هذا الوزن مثلاً، وهي لابن تقي من وشاحي الأندلس:

يا ويح صبٍّ إلى البرقِ له نظرُ ... وفي البكاء مع الورْق له وظرُ

أو من منا يستسيغ قول (المهر بن الفرس) وهو من شعراء الموشحات في غرناطة:

لله ما كان من يوم بهيجٍ ... بنهر حْمص على تلك المروج

ثم انعطفنا على فم الخليج ... نفض مسك الختام. . .

ونعود فنقول: إنه لو كانت بائية عبيد نموذجاً للاختلال كما وصفت، لكان للقدماء عن اختيارها مندوحة. وفي أشعار عبيد مما استقام وصحت طريقته ما يغنى عنها ويجزيء، وجميع شعره من هذا النوع كما ذكرنا. والبيت الوحيد الذي أورده الأستاذ - من غير القصيدة البائية - وجعله دليلاً جديداً على قصور الشاعر، هو بيت صحيح الوزن كما سجلته كتب الأدب. وإنما أخل الأستاذ بوزنه حين حذف (التفعيلية) الأولى منه: (وقالوا) - ولعل ذلك سهو منه غير مقصود. وصحة البيت نقلاً عن حياة الحيوان للدميري (باب الذئب):

(وقالوا) هي الخمر تكنى الطلا ... كما الذئب يكنى أبا جعدة

هذا عن عبيد. . . أما علقمة الفحل فلا يقل عن صاحبه شأناً؛ وما احتججنا به للأول نحتج به للثاني، ثم نزيد عليه أن قصة تلقيب علقمة بالفحل - وهي مشهورة متداولة في كتب الأدب - تعدُّ الدليل الأقوى على تبريزه في الشعر؛ حيث يشيرون فيها إلى أنه احتكم مع امرئ القيس إلى امرأته (أم جندب) وأنشدها كل منهما لنفسه شعراً، فحكمت لعلقمة على زوجها. حتى قال امرؤ القيس: ما علقمة بأشعر مني ولكنك له وامق. ثم طلقها فخلفه عليها علقمة؛ وسمي بذلك (الفحل)

إلى هنا أقف الحديث. . . ولعل الأستاذ الفاضل يهتدي إلى (الحلقة المفقودة) من الشعر الجاهلي، في أقوال شعراء آخرين غير عبيد وعلقمة؛ والله أسأل أن يوفقنا وإياه

(جرجا)

محمود عزت عرفه

<<  <  ج:
ص:  >  >>