الدكتور بشر فارس كاتب منِّمِق وأديب ضليع، لا تعدم في أسلوبه آبدةً من أوابد اللغة كانت هائمة في المعاجم والأضابير قد أتى بها الدكتور مقيدة مكبلة، فلولا القيد الذي به كُبّلت، والوثائق الذي إليه شُدت، لنفرت شاردة وعادت كما كانت
والمعنى يتناوله الدكتور من جعبته، ثم ينفضه أمامك فجأة فيدهشك تكويره وتحويره وتعجبك طرافته، فهو يتهيأ لعمله الأدبي كما يتهيأ القناصون للخروج للصيد في أحراش أفريقيا، أو طالب الحوت في بحار القطب، فلهم لباسهم الخاص وسلاحهم وعدته وعتادهم، وكلما كانت الرحلة شاقة مضنية كانت الغنائم أعجب وأغرب. وكم في أسلوب الدكتور من طرف هي للقاعدين غرائب!
وهو حين يكتب في الفن ينقاد لملكته بعد أن يكون قد هيأ لها الجو على النمط الذي هفا إليه مزاجه كمن يريد ليلة حمراء فينسرب إلى الغرفة ذات اللون الأحمر والستائر القرمزية والضوء القاني الجريح! وأما حين يكتب في النقد والبحث فهو يحمل تحت إبطه نخبة ما خطه جهابذة الاستشراق (والدكتور بشر سريعهم) وكلما خط سطراً فتح من آثارهم سفراً يستلهم منه نصاً أو يطوف بنص، وقد تخلَّى عن نافذ بصره وصحصحان بصيرته، وألقى على وجهه بردة سوداء كتلك التي يصطنعها المصور حين يتملى آلته من الداخل ليخرج (العفريته) فأمامه (أي المصوِّر) الشيء مقلوباً، وهو يعلم أنه لكذلك ما دام مالكاً لحسه، أما إذا غفا أو سها فالمقلوب هو الأقوم!
ومن هنا جاءت نقدات الدكتور للأستاذ تيمور في مقتطف مارس ١٩٤٢ وتقويمه لبعض عبارات عامية وردت في قصة المخبأ رقم ١٣ يقول الدكتور بشر عن قصة تيمور:(ومن الغريب في هذا الصدد أن يقول ماسح أحذية (صوت فأري) ص٨ من القصة وأقرب إلى الدارج (صوت فيراني)، هكذا النسبة إلى الفأر عن السوقة). إلى هنا انتهى كلام الدكتور. ولا شك أن الناقد الفاضل كان يستلهم هنا نصاً لمستشرق جهبذ، فلو نظر بعينه هو وهي نفّاذة نقادة لعلم أن تيمور هو الأصدق والأقوم، (ولكن لعن الله بردة المصورِّ)، لأن المعنى هنا منسوب إلى الفقر لا إلى الفأر كما توهم الدكتور، ولم توجد قط السوقة التي تنسب النسبة التي يزعمها الناقد في مثل هذا الموضع، وإن كان وجودها لا يستبعد في مقبل