إلى محسوساتها كالفم الجائع إلى الطعام الذي تقوم به الحياة
زجاجة حساسة شاملة لا تخطئ شيئاً مما يقابلها، وتصيبه لأنها حية حية بالغة في الحياة، لا لمراعاة النظر ولا لتجويد المحسنات ولا لطرق الأبواب التي تقدم بطرقها الشعراء
إذا قرئ ابن الرومي على هذا النحو عُرف ابن الرومي شاعراً لا نظير له في آداب الدنيا، وإنما الطريق إلى قراءته على هذا النحو أن نحس كما أحس وأن نعلم ما عنده لنبحث عنه ونلتفت إليه ونظفر به حيثما وجدناه
ولمن شاء أن يذكرني ما شاء من أبيات وصفه أبيّن له ما فيها من عناصر الاستيعاب التي لم تتفق لغيره من الشعراء، فإنما وصفه لجلس الكتان نموذج قريب المتناول لسائر الأوصاف
أما الأديب (ح. نظمي) الذي يسألني عن غلاة المحدثين من المصورين فينتظر مني جوابها مسهباً عن مدرستهم ومدارس أمثالهم في سائر الفنون، لأن هذه البدعة قد عمت فنوناً أخرى ولم تنحصر في التصوير
والذي أراه أن الإسهاب هنا فضول لا حاجة إليه، لأن بطلان الأساس الذي قامت عليه هذه المدرسة قد يظهر في بضعة سطور
فالمصورون على مذهب الغلاة المحدثين ينسون قواعد الرسم وينسون ملامح الشبه، وينسون أصول التلوين، ويرسمون الرجل فلا تعرفه بملامحه ولا بظاهر شكله ولا تميز بينه وبين غيره بعلامة تتفق عليها الأنظار، لأنهم يزعمون أنهم يعرضونه لك كما يتمثل في الوعي الباطن أو كما يشعر هو في باطن وعيه، ولا يعرضونه لك كما تراه بالعين
والخطأ هنا أن (الوعي الباطن) لم يخلق ليلغي الوعي الظاهر أو يمنعنا أن نرى الدنيا، ولكنه خلق ليظل وعياً باطناً حيث هو في قرارة الضمير، نستدل عليه بعلاماته التي تتفق عليها الأنظار. وما من أحد يبني بينه أو يطبخ طعامه أو يخيط ملابسه أو يحضر دواءه على ما يتصور هذا وذاك وأولئك في وعيهم الباطن المزعوم. فلماذا يتغير وجه الإنسان لأن له وعياً باطناً أو لأن المصور له وعي باطن، أو ما يزعم من هذا الهراء؟
ومن البديه أن التصوير (فن) له أدواته وتحضيراته وملكاته التي لا تشبه ملكات الفنون الأخرى؛ فما هي الدروس التي يتعلمها المصور ليصبح على هذا المذهب مختصاً في