للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وحانت من آدم التفاته فرأى سوءة حواء بادية، واطرق فرأى سوأته قد انكشفت والعياذ بالذوق، وكذلك أدرك أن أسراب الطير والحيوان قد هالها أن يمسي آدم وحواء وهما في حال تسر العدو وتحزن الصديق

كانت الفاجعة أعنف مما يتصور الخيال، فقد فُطر آدم على الحياء، ألم يكن أول مخلوق ستر ذلك الشيء؟ أما الكلام عن حياء حواء، فهو حديثٌ مُعاد، فما استطاع أحد من سكان الفردوس أن يتوهم صورة المنطقة المحرمة من جسمها الجميل

- أتصنع المعصية كل هذا يا آدم؟

- وأشنع من هذا، فقد يعاقب العصاة بالقتل

- الفضيحة ابشع من القتل

- أنا لا أراها كذلك، فالقتل اخطر وأعنف

- الرجل يُقتل بالسيف، والمرأة تقتل بالفضيحة، فأنا وحدي المقتولة بعقوبة اليوم

- وما المخرج يا حواء؟

- نخصف على هاتين السوءتين من ورق الجنة، إلى أن يقضي الله في امرنا بما يشاء

لا موجب للإطالة في تصوير جزع آدم وفزع حواء مما صارا إليه، فالوصف لا يحيط بصورة الحزن الذي يساور النفس النقية حين تسقط أول مرة، فهي تتخيل أن شبح الفضيحة يلاحقها في كل طريق، وأن الموجودات كلها عيون تنظر إليها باحتقار وازدراء، ولا كذلك النفس الخبيثة، فهي لا تتأثر بالفضيحة إلا بمقدار ما يتأثر الصخر الأصم بهبوب الريح

كان آدم على فطرته الأولى يوم اقترف ما اقترف، وكان وحيداً في بلواه، فلم يجد من أصدقاء السوء من يهون عليه مصيبته العصيان

وحواء؟ وحواء؟

كانت زهرة نضيرة لم تسمع بأن في الوجود لوا فح ترزا الأزهار بالذبول

وهل كانت حواء تجدّ وهي تدعو رفيقها إلى قرب الثمر الممنوع؟

إن شيث حدثنا أن تمردها على الأوامر الربانية لم يكن إلا فنًّا من فنون الدلال. ولعل هذا هو السبب في أن الجنة لم تصب بأذى بعد أكلها من شجرة التين، وإنما وقع ما وقع حين

<<  <  ج:
ص:  >  >>