هفا آدم، لأنه رزق من العقل ما يكفي للتمييز بين المحرَّم والمباح
وزاد في هم حواء عرفانها بخطورة النزق بعد الذي كان، فصارت تصرخ من وقت إلى وقت صراخاً يصل إلى مسامع سكان الفردوس بأعنف مما يصل صوت المظلوم إلى آذان القضاة العادلين. . . وكذلك لطف الله بحواء، فأمر ورق الجنة أن يكون عندما تريد ليحميها من فضول العيون
لا موجب للإطالة بتلخيص الصفحات التي دوَّنها شيث ابن عربانوس في هذا المقام، فما نطيق ولا يطيق القراء مواجهة ما انطوت عليه من أحزان وكروب، فلننظر كيف تسامع سكان الجنة بفضيحة آدم وحواء في لحظات
في لحظات؟ وكيف؟
كان جمهور أهل الجنة في ذلك الوقت جمهوراً قليل الأهمية من الوجهة العدَدية؛ وللجماهير الصغيرة محاسن وعيوب، فمن السهل أن نكوِّن رأياً عاماً في الجمهور الصغير بخطبة أو خطبتين وأن نروضه على الفضائل المنشودة حين نشاء بأيسر عناء، ولكن من الصعب أن نصدّه تسمّع الأخبار السيئة، فهو يُقبِل عليها بشهية عجيبة، وهو يجد لذة في مضغ أحاديث الإفك والبهتان، وقد يتزّيد فيضيف المآثم إلى الأبرياء، ليظفر بالقوت المحبوب وهو الاغتياب، فما يطيب للرجل الحقير أو الجمهور الصغير غير الخوض في الأحاديث التي تشوه أقدار الأكابر من الرجال!
وعلى هذا وصلت أخبار آدم وحواء - أخبارهما المزعجة - إلى جميع سكان الجنة في لمحات معدودات، وصار الحديث عن مصيرهما الفاجع زاد الألسنة في كل مكان
فكيف تلقى الفردوسيون ذلك النبأ الفظيع؟
انقسموا إلى فريقين: فريق الجازعين وفريق الشامتين
فمن الذي جزِع؟ ومن الذي شَمِت؟
جزع الأسود، وفرح القرود، ولذلك حديث يستحق التسجيل:
لم يكد يتسامع الأسود بفضيحة آدم حتى صاموا عن الطعام حزناً لبلية ذلك المخلوق النبيل؛ ثم اجتمعوا في (غابة العَرِين)