رحل إلى بيت المقدس وأقام بها إلى سنة ٨٦٢ ثم عاد إلى وطنه حلب. ثم ولى كتابة السر بالقاهرة ثانية سنة ٨٦٣، فسار فيها سيرة مشكورة واقبل عليه السلطان الأشراف (إينال) إقبالاً عظيماً حتى كان هو المنشئ لعهَده في مرض موته لولده أحمد الملقب (بالمؤيد)، وبقي بعد ذلك بالقاهرة يتقلد وظائف القضاء والتدريس، ولاقي كثيراً من صروف الزمان ومنافسة الأقران حتى توفي بالقاهرة في أوائل سنة ٨٩٠. فبان من هذا أن الذي أنشأ عهد (اينال) لولده (المؤيد) هو أبو الفضل المحب الأصغر لا أبوه أبو الوليد المحب الأكبر المتقدم والمتوفى سنة ٨١٥، ولكن رأيت في فهرس دار الكتب بالجزء الخامس صفحة ٢٧٣ ما يأتي:
(عهد للسلطان المؤيد أبي الفتح أحمد بن الملك الأشرف (إينال) تأليف العلامة أبي الوليد قاضي القضاة محب الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب الشهير بن الشحنة التركي الحلبي الحنفي المولود سنة ٧٤٩، والمتوفى بحلب يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الآخر سنة ٨١٥هـ أوله: هذا عهد شريف تبسم ثغر ربيعه لما تنسم الخ (نسخة ضمن مجموعة في مجلد مخطوطة بقلم معتاد) ١هـ رقم ٥٩؛ وهذا غير معقول، فإن الملك الأشرف سيف الدين أبا النصر إينال العلائي - وهو الثاني عشر من ملوك الجراكسة - إنما ولي مملكة مصر في شهر ربيع الأول سنة ٨٥٧:(بعد وفاة أبي الوليد المحب الأكبر والد أبي الفضل المحب بنحو ٣٢ سنة)؛ واستمر الملك الأشرف (إينال) سلطاناً إلى أن خلع نفسه وعقد الولاية لولده الملك المؤيد شهاب الدين أبي الفتح احمد في ١٤ من جمادي الأولى سنة ٨٦٥ بعد وفاة أبي الوليد بنصف قرن (فينبغي إصلاح ما في فهرس الدار بنسبة العهد إلى كاتبه، وإنما كان الاشتباه، لان أبني الشحنة هذين الأب وابنه يلقب كلاهما (بالمحب ابن الشحنة)، وإنما يميز بينهما بالكنية؛ فكنية كاتب العهد أبو الفضل توفي سنة ٨٩٠، وكنية والده أبو الوليد وتوفي سنة ٨١٥. هذا، وقد توفي الأشرف (إينال) عقب ذلك بيوم واحد (١٥ جمادي الأولى سنة ٨٦٥)، ومكث ولده المؤيد احمد سلطاناً زهاء خمسة أشهر، ثم خلعه أنابكه (مربيه) الملك الظاهر (خشقدم) سيف الدين في شهر رمضان سنة ٨٦٥ الذي كان سلطاناً بارّاً محبّاً للخير توفي في شهر ربيع الأول سنة ٨٧٢.