للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وليس بوسعنا أن نبدي فيها رأيا للسبب الذي قدمناه في محل آخر من هذا المقال. ونضيف الآن إلى ذلك، أن عشرات الكتب في الغناء والمنادمة والشراب وما اتصل بهذه الموضوعات من قريب أو بعيد، مما صنفه اقدم الكتبة كإسحق الموصلي، ويحيى بن أبي منصور الموصلي، وعبد الله بن هارون، ويونس الكاتب، وعمر بن بانة، وحسن ابن موسى النصيبي، وأبي حشيشة الطنبوريَّ، وجحظة، وأبي أيوب المديني، وغيرهم، كل تلك الأسفار قد ضاعت وامحي أثرها، ولم يبق لنا منها سوى أسمائها الجميلة

التي حفظها لنا ابن النديم وغيره في تصانيفهم

هذا، وقد ذكر أبو الفرج زميله في أماكن أخرى من أغانيه، ونقل عنه أخباراً ومرويات لا فائدة من إيرادها هنا.

غير انه في بعض نقوله كان يمر به دون ما تجريح، ذلك إذا راعى جانب الهدوء والاعتدال في القول، وإلا، فلا أَقل من أن يتوج ما ينقله عنه بعبارة (وزعم ابن خرداذبة)، ولا يخفى على اللبيب، ما تنطوي عليه لفظة (زعم)!

فهل كان أبو الفرج في مواقفه النقدية يعتمد الإساءة إلى أقرانه ومعاصريه ممن ألف في موضوع الأغاني وما إليها؟ أم إنه كان على حق فيما فند وزيّف، وقد وقفنا على رأي له في كتاب من هذا القبيل، ننقله إلى القارئ، لما فيه من مغزى أدبي، قال:

(وذكره جحظة (الكلام هنا على أحمد النَّصْبِيّ المغنىّ الطنبوري) في كتاب الطنبوريين، فأتى من ذكره بشيء ليس من جنس أخباره ولا زمانه، وثلبه فيما ذكره، وكان مذهُبهُ - عفا الله عنه - في هذا الكتاب، أن يَثْلِبَ جميع من ذكره من أهل صناعته بأقبح ما قَدَر عليه، وكان يجب عليه ضد هذا، لأن من انتسب إلى صناعة، ثم ذكر متقدمي أهلها، كان الأجمل به أن يذكر محاسن أخبارهم وظريف قصصهم ومليح ما عرفه منهم، لا أن يثلبهم بما لا يعلم وما يعلم. فكان فيما قرأت عليه من هذا الكتاب أخبار احمد النصبي، وبه صدَّر كتابه فقال:

وحسب القارئ أن يسأل لماذا حمل أبو الفرج على جحظة في موقفه من احمد النَّصبي؛ وندد به لأنه ثلب مَن تقدمه، وهو نفسه لم يطبق هذا المبدأ في موقفه من ابن خرداذبة على ما مر بنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>