الأعضاء تتخذ دليلاً على سنة النشوء والارتقاء في الإنسان مع بلوغه آية الجودة في الخلق، فكيف لا تتخذ هذه القصيدة في الشعر الجاهلي دليلاً على سنة النشوء والارتقاء. ولا يمنع من ذلك بلوغه آية الجودة التي يذكرها الأستاذ، وان كان كثير من الباحثين يرى فيه كثيراً من النقص، ويرى أن تقليد ذلك النقص فيه هو السبب في تأخر الشعر العربي الآن
وقد ذكر الأستاذ أن عبيداً لم يكن شاعراً بسليقته، وان اضطراب شعره يرجع إلى هذه الناحية فيه، وهذا قد أشرت إليه في مقالي حين جعلته من الشعراء المتخلفين في عصرهم، وهم الذين يتشبثون بآثار الماضي، ولا يجارون شعراء الطليعة المجددين ولا يتأثرون بابتكارهم وتجديدهم
أما قياس قصيدة عبيد (أقفر من أهله ملحوب) على محاولات المبتدئين في عصرنا فقياس غير ناهض، لأن قصيدة عبيد معدودة من عيون الشعر العربي، ولم يؤخذ عليها إلا اضطراب الوزن والقافية، ولم يكن إلا بعد أن استقر أمر الوزن في الشعر، وجرى على سنة مطردة لا يشذ أحد عنها. أما في عصر عبيد فلم يؤخذ عليها شيء من ذلك، بل كانت تعد فيه آية من آيات الشعر العربي، وهذا يدل على أن مسألة الوزن لم يكن ينظر إليها في هذا العصر كما نظر إليها بعد، ولا يمكن تفسير ذلك إلا بقرب عهده من عصر كان الوزن لا يراعى فيه مراعاة دقيقة، وكان الشعر فيه أشبه شيء بما نسميه الآن الشعر المنثور. ولعل الأستاذ قناوي يقتنع بعد هذا برأيي في قصيدة عبيد
وقد ظهر رد آخر على رأيي في قصيدة عبيد للأستاذ الفاضل محمود عزت عرفة في العدد (٥٤٦) من مجلة الرسالة، وهو ينظر إلى تلك القصيدة نظراً يختلف إلى حد بعيد عن الرد السابق، فيبرئها من كل عيب، ويرفع من شأن عبيد في مغالاة ظاهرة، مع أني لم أطعن في قصيدته إلا من جهة الوزن، وهذا لا يحط قدرها من جهة اللفظ والمعنى، وعيب الوزن فيها معروف لدى جمهور العلماء، ولم يأت الأستاذ عرفة في نقضه بشيء، وقد ذكر أن بيت عبيد المختل الوزن صحته:
وقالوا هي الخمر تكنى الطلا ... كما الذئب يكنى أبا جعده
ولكن هذه الرواية غير متفق عليها، ومن الجائر أن تكون محاولة من بعض الرواة