يقع له من نوادر الحوادث وغرائبها لئلا يسرع الناس إلى النيل من مروءته، وإحالة أمره إلى التزيد والخلق طلبا للمكاثرة بشدة الأغراب. على أن مما يلين لي هذه الرواية ويشد من متني في قصتها أن لا يزال في الأحياء آلاف ممن شهدوا أمثال ما شهدت، بل وممن شاركوني فيه بالذات. فلنمض لحديثنا والله تعالى المستعان.
عبده الحمولي:
لم يكن يتهيأ لفتى حدث مثلي أن يسمع عبده الحمولي في سهولة ويسر. فلقد كان، في العادة، لا يغني إلا في بيوت الطبقة (الأرستقراطية). ودون أبوابها لؤم الحجاب وعصى الأحراس، فما من سبيل إلا في الغفلة من أعينهم، أو بالرشوة في أيديهم، أو في أعجاز الليل بعد منصرف السادة المدعوين، وعلى بعض هذا أذن الله أن اسمع ملك المغنين بضع عشرة مرة.
وبعد فعبده، وتاريخ عبده، وفن عبده، وصنعة عبده، وبدع عبده، كل أولئك غني عن التعريف والتبيين. ولكنني أبادر فأقرر أن صوت هذا الرجل على جلالته، وحلاوته، ووفائه بكل مطالب النغم في جميع الطبقات، لم يكن بالموضع الذي يتمثل لأوهام من لم يسمعوه من أهل هذا الجيل. بل إن من القائمين من لعله يجهره في هذا المعنى من الجمال. ولكن لا يذهب عنك أن وراء هذا الحس المرهف، والذوق الدقيق، والفن الواسع، والكفاءة الكفيئة والقدرة القادرة على التصرف في فنون النغم في يسر ولباقة وقوة ابتكار ورعاية لوجوه المقامات المختلفة. والتوفيق إلى كل ما يغمز على الكبد. ألا لقد جمع الله أحسن هذا كله لعبده الحمولي. فلم ينته أحد فيه ممن سمعنا منتهاه إذا استثنيت صاحبه المرحوم محمد عثمان على اختلاف غير قليل بين فني الرجلين.
وإني لأذكر أنني سمعته مرة عند مطالع الفجر، وكان ذك في دار المرحوم السبكي بك في شارع الطرقة الشرقي. ولعله كان قد مسه طائف من الشجي، فكاد يحيل العرس مناحة من كثير ما تبادر لنغمه الشجي من دموع الناس.
أما الحادثة التي أؤثرها بالرواية فلقد كانت في دار رجل من خؤولتنا أولم لتزويج ابنه، وداره تقع في حي الناصرية، وكان صديقاً حميماً للمرحومين عبد الحمولي والشيخ يوسف المنيلاوي، وكان أثيراً عندهما كريم المحل منهما، وقد دعاهما كليهما ليغنيا معا في عرس