للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أركان البسيطة، وأزال ما قد علق بها من رجس، لكنه قد اكتسح أناساً، وأهلك خلقاً كثيراً. . ولقد أتى أمر الإله بأن ننتشر في الأرض، وأن نضرب فيها طولاً وعرضاً، وأن نتناسل ونتكاثر وأن نملأ الأرض بذرياتنا: وقد حم الفراق، وستذهب في ناحية وأذهب في أخرى، فعلام عولت؟

قال سام:

إن الفراق أليم، والضرب في البيداء أليم، وقطع السهول والحزون أليم، ولكن أشد من هذا ألماً ذلك الظلام الحالك الرهيب الذي يكتنف الأيام المقبلة والسنين، ويتجاوزها إلى الأجيال والقرون، وإني كلما أرسلت بصري باحثاً مستطلعاً، أرتد إلى البصر خاسئاً حسيراً، قد أجهده الضلال، وسط ظلام دامس، متراكم بعضه فوق بعض، لا يعرف له آخر ولا يدرك له حد.

سوف نتكاثر ونتناسل، ونملأ بذرارينا الأرض؛ حتى يعمر الخراب، وتمتلئ الأقطار؛ ثم - من بعد هذا كله - تنهمر السيول من السماء، وتتفجر الأنهار من جوف الثرى، ويعم العالم طوفان مخرب مدمر، يفتك بالناس، ويهلك الحرث والنسل. . . أمن أجل هذا نلد ونتكاثر، لكي نسلم ذرارينا إلى هذا المصير الحزين، كلما دارت الأيام دورتها؟

قال يافث

لقد استفحل خطب العالم، وتكدست فوق البسيطة أدران أفسدت الثرى والهواء، واستحالت معها الحياة. فلم يكن بد من أن يجتاح الأرض هذا الطوفان، فيملأ كل مكان، ويغسل كل بقعة من البقاع مما علق بها من الدنس. . . فلماذا يجزنك الجزاء الحق، والقضاء الذي لا مفر منه؟ ونفسي تحدثني أن هذا الجزاء الصارم لا يكون إلا مرة. وأكبر ظني أن العالم بعد أن رحض هذا الرحض العنيف، لن ينغمس في الحمأ، ولن يغرق في الموبقات بمثل تلك الصورة البشعة التي استوجب ذلك الجزاء، سيكون في الناس أبداً من تدفعه نفسه الأمارة بالسوء إلى مجاهل الشرور. لكن العالم في أمان ما غلب خيره على شره، وحقه على باطله. وإن عليّ وعليك واجباً ألا نلد لعمارة هذا العالم غير الأنفس النقية والذرية الصالحة، التي ترهب الإله وتلزم سننه؛ ولئن صلح نسلي ونسلك، فما أجدر العالم أن يغلب طهره على رجسه، وصالحه على فساده. الأمر إذن راجع إليك والي فعلام عولت؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>