من هذا العبء الباهظ أفرق، ومن تأمل ذلك الواجب المضني تملكني رعدة الحائر، وجزع العاجز. . . لست أدري يا يافث كيف يولد الشر، ومن أين ينبغ الرجس! لقد يكون العالم وما به الأكل بر كريم، ثم ينقلب في عشية أو ضحاها: فإذا الشر قد طغى وساد، والبر أوشك أن يمحى من الأرض!
أن الدم الذي يجري في عروقي - علم الله - لطهور. وأخلق بنسلي ألا يرث مني سوى الخير والهدى. ولكن من لي بأن أضمن له ألا يحيد عما ورثه، وألا تجمح به النفس الهوجاء. فينزل به السخط ويحل البلاء ويجتاحه طوفان كالذي شهدناه؟
قال يافث:
لقد مالت الشمس نحو الأفق، وتوشك أن تتوارى خلف تلك الجبال، تاركة خلفها سحباً عسجدية صفراء. إن مغرب الشمس قد استهواني يا سام! وكأنما فيه قوة قوية تجذبني أبداً إلى الغرب! ولقد طالما جلست في هذه الأثلات أتأمل الغروب، وأفكر في هذا الكون البديع الذي يميل نحو ذكاء، وفي كل مرة كنت أحس دافعاً شديداً يدفعني إلى الغرب!
إلى الغرب إذن سأمضي، وفي الغرب سأحيا، وتحيا ذريتي ونسلي. وهنالك فلنحاول أن ننشر اليمن والعمران. .
أنا أيضا لست أدري. كيف تولد الشرور، والأصل في العالم البر، ولا أدري كيف ينمو الرجس، وأساس الكون الطهر. على أني - وأن أجهدت في هذا خاطري - ليس بضائري أن أعيا به، وأن يقصر عن إدراكه فكري. فسواء لدى أكان الشر مما يخرج من الأرض أم يهبط من السماء، فان عليّ وعلى ذريتي أن نعد العدة لسحقه، وأن نهيئ الأسباب لحربه. فلا تكاد شجرته أن تنبت حتى تجتث من أصولها، ولا يكاد رأسه أن يرتفع حتى يلقي ضربة فاقرة. وأني أحسن أن فيّ وفي نسلي قوة كامنة ستسير بالناس حتما إلى الخير، وتردهم - ولو بعد لأي - عن كل منكر. وما هذه القوة سوى قوة الفكر البشري: الفكر الباحث الذي يتناول الأشياء بالنظر وبالتأمل، ولا يزال مسترسلا في البحث وفي التحقيق حتى يسلمه الإمعان في التفكير إلى سبيل الرشاد. ويريه ما انطوي عليه العالم من أسرار، وما خفي فيه من الحقائق. . . وسيخطو العالم خطوات بعيدة يوم يعلم الناس القوى التي