تمسك الأجرام لتربط الأكوان، وما كمن في الأرض من كنوز، وما جرت به الأنهار من خيرات. هنالك تعم السعادة، ويقضي على الشرور.
إلى الغرب إذن سأمضي، وهنالك سأغرس شجرة العلم، لكي تؤتي زهرها يانعاً، وثمرها شهياً رائعاً. وأنت يا سام، علام عولت؟
قال سام:
الآن يشرق القمر بدراً كاملا: وهو احسن ما يكون حين يطلع في المشرق، إذ لا يرتفع فوق الأفق إلا أذرعا. . لست أدري هل تخدعني عيناي. لكني أراه وقت الشروق أكبر حجما، وأملح وجها، وألطف نورا. وما زلت منذ درجت يستهويني الشروق، وتعجبني الشمس والنجوم ساعة تطلع على العالم. ولقد طالما جلست أرقبها إلى جانب هذا الجدول الجاري. فتوحي إلى بما يطمئن له القلب الثائر، والطرف الحائر. الشرق هو المبتدأ، والغرب هو المنتهى، فهنيئاً لك الغرب يا يافث! أما أنا، فان هوى نفسي في الشرق. لا أبغي به بديلا.
في الشرق إذن سأحيا. وتحيا ذريتي ونسلي، وهنالك فلنأخذ في نشر أسباب العمران.
ولست أدري هل أقدر أن أسلك وذريتي السبيل التي رسمت، والنهج الذي تريد أن تنهج. ولئن قدرت أن أسلك سبيلك تلك، فما أدري أمنجيتي وذريتي من الويل، وهاديتي ونسلي إلى الرشاد، إن عهدي بالفكر البشري أنه كثير الضلال، كثير الخبط في بيداء لا تفضي إلى خير. وقلما يصيب الحق إلا بعد أن يتيه في الباطل دهراً طويلاً. وما أشد خوفي يوم يطلع أبنائي على ما ثوى في الطبيعة من قوة، وما كمن فيها من كنوز. عند ذلك قد يلهيهم التكاثر أو يتملكهم الجشع، ويتناحرون من اجل مادة قد لا تغني عنهم شيئاً. . . كلا، ليس العلم أو الفكر بالذي ينقذ الناس، فان طريقه طويلة وعرة. . .
الآن تنكشف الغشاوة عن عيني وأرى السبيل واضحة جلية. إن أبنائي سيولون وجوههم شطر الدين، وبالدين سيبلغون بالعالم أقصى مراتب السعادة والطهر.
وسيبلغون حقائق الدين بالألهام، وبالوحي ينزل من السماء، لا بالبحث والحفر والتنقيب في الأرض. فذلك هو الهدى الذي ليس بعده هدى، والنجاة التي لا تعدلها نجاة. ولقد يتناحر الناس من أجل الدين، ويكيد بعضهم لبعض، ويصيبهم من هذا أذى كثير، غير أنه دم