ارجع، أيها القارئ، إلى مجموعات الصحف والمجلات والسجلات الحكومية تر العجب العجاب: برامج للتعليم بعضها في أثر بعض، وبرنامج لإنقاذ الفلاح وتحسين حالة الفلاح، وبرامج للشئون الاجتماعية، يطنطن بها الدعاة، وتمتلئ بها المسامع والأفواه، وبرامج حتى للطرق، وتنظيم المدن، وتخطيط الشوارع تتداولها أوامر الإقرار تارة، والإلغاء تارة، والتعديل تارات؛ وهكذا تفيض مصر بالبرامج إلى البرامج حتى لو عنينا بجمعها وترتيبها والتبويب لها لأخرجنا من ذلك كتاباً ضخماً ذا مجلدات! ولكنها برامج لم توضع لتنفذ وتطبق، ولكن لتكون آية يستدل بها الناس على عبقرية واضعيها، ولتكتب عنها الصحف أياماً أو شهوراً فتفيض في تعديد مزاياها، وتطنب في بيان فوائدها وما يرجى من آثرها. وما بي من حاجة إلى دليل أؤيد به ما أقول، فهذا هو التعليم يتعثر في خطاه، وهذا هو الفلاح ما يزال كما كان يشرب الطين المذاب، ويذوق من فقره ودَيْنه ومرضه ألوان العذاب. وهذه هي برامج مصلحة التنظيم يحسب الناس لكثرة ما اعتورها، وشدة الإبطاء في تنفيذها، قد وضعت لتنفذ وينعم بمزاياها سكان البلاد في القرن الثلاثين، لا في هذا القرن العشرين!
فلماذا لا يكون الأزهر أيضاً كهذه المصالح الحكومية؟ إننا معاشر الأزهريين مصريون، ولا أحسب أن المصرية تتمثل بجميع خصائصها في بيئة من البيئات كما تتمثل في الأزهر، فإذا أراد امرؤ أن يطبق على هذا الخلق الذي سجله أمير الشعراء على مصر حين قال:
(كل شيء فيه ينسى بعد حين)
وجد الأمثال بين يديه حاضرة في الأزهر قبل سواه، فله أن يمثل (بمشروع ترجمة القرآن) لو إن شئت فسمه (مشروع ترجمة تفسير القرآن) وله أن يمثل (بلجان العيد الألفي للأزهر) التي ألفت على الورق، ورصدت في السجلات، ولم تعمل شيئاً، بل لم تجتمع فيما أظن حتى اليوم! وله أن يمثل (بمشروع تنظيم المكتبة الأزهرية العظيمة) الذي اجتلب له خبير فني من المتخصصين في برلين. وله أن يمثل (بمشروع إصلاح مجلة الأزهر) الذي ألفت له لجنة وقد كان الأستاذ الزيات أحد أعضائها، ثم اختنق تقريرها وليداً وما زالت المجلة كما كانت بل أسوأ مما كانت كما يعترف بذلك رجال الأزهر المسئولون. وله أن يمثل (بالبعوث الأزهرية) التي اهتممنا بها مرة في الدهر واحدة ثم لم تعد كأنها بيضة الديك التي