له أن يمثل بهذا كله مما ذكرنا، وله أن يمثل بغيره مما لم نذكر، فليس الأمر إذن أمر برنامج الإصلاح في جماعة كبار العلماء وحده، وإنما هو أمر الأزهر جميعاً. هو أمر برامج كثيرة حاولها الأزهر، وعنى بها فضيلة الأستاذ الأكبر؛ بل إننا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن هذه المشروعات جميعها إما بتفكير مباشر من فضيلته، وإما بتفكير يستمد من روحه وإلهامه، ويراد به تحقيق غايته في الإصلاح، وتنفيذ رغباته في النهوض بالأزهر، وإعلاء كلمة الله، وقد حظيت هذه المشروعات كلها بكفالته فاحتضنها وأيدها وأبدى رغبته في تنفيذها، فما هو السر إذن في أن هذه المشروعات النافعة تموت في طفولتها، بل تختنق في مهدها؟ ألا إن السر في ذلك لمعروف: إنه يرجع إلى الذين ألفوا أن يعوقوا الإصلاح، ويشككوا في الخير. يرجع إلى المخزلين المثبطين الذين يغشى النور أبصارهم فلا يحبون أن يروا إلا الظلام، ويدوخ الجو النقي الصافي رءوسهم فلا يحبون أن يعيشوا إلا في الفساد. إنه يرجع، يا سيدي الأستاذ الأكبر، إلى الذين مردوا على النفاق، ورضعوا أفاويقه، وتلونوا في كل عهد بلون، ولبسوا لكل حالة لبوسها؛ ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم!
هنا فقط موضع العلة ومكان الداء، وهنا فقط مفصل الدواء، ومقطع العلاج، لمن أراد العلاج!
رباه! ماذا قلت؟ وأي سر كشفت؟ ولكن. . . لا! إن الأمر لم يعد سراً. وهل سرٌّ ما تفيض به المجالس والأندية، وتخوض فيه الصحف والمجلات؟
إنني أتخيل أبناءنا وأحفادنا القادمين وقد أرادوا أن يحصوا لنا أعمالنا ويدركوا مبلغ برنا بوعودنا: أتخيلهم وقد وجدوا في صحفنا، في جرائدنا ومجلاتنا، مشروعات أعمالنا، فجعلوا يتابعون البحث في هذه الصحف عدداً بعد عدد، ومجلداً بعد مجلد، لعلهم يعثرون فيها على خبر التنفيذ كما رأوا أخبار التفكير، لعلهم يرون آثار الأعمال كما رأوا آثار الأقوال، ولكنهم - وا خجلتاه - سيبحثون جاهدين، ثم يوالون البحث صابرين، فلا يجدون لهذه الأعمال أثراً، ولا يحسون منها شيئاً، ولا يسمعون لها ركزاً. فلعل أحدهم يومئذ يضطجع كما يفعل امرؤ أعياه البحث وأضناه التعب ثم يقول:
رحمة الله عليهم أيها الآباء! لقد كنتم تعرفون حقاً كيف تكون الـ (أحلام. . .!)