الشعرية من مخترعات المغاربة، وأن المشارقة أخذوه عنهم بالمحاكاة ليس غير
وقد ذكر المقّري في كتابه (نفح الطيب) نحواً مما ذكره العلامة ابن خلدون وعدّ الموشحات من خصائص الأندلسيين ومن مزاياهم التي بذّوا المشارقة
ولا أدري كيف يسوغ لمتأدب أن ينسب إبداع تلك الموشحة إلى ابن المعتز، وابن المعتز نفسه لم يشر ولم يومئ إلى هذا الضرب من ضروب الشعر في كتابه الذي ألّفه في البديع! ولو كان لهذا النوع من أثر في زمانه لفسّح له الصدر من كتابه ولأوسع فيه الشرح والإيضاح والتنويع والتفريع، ولكان من المتعذّر أن يخفى على أساطين المؤرخين من إضراب ابن خلدون والمقّري وغيرهما
ولا أدري كيف التبست هذه الحقيقة على ناشري بعض المجاميع الأدبية من المعاصرين فجزموا بنسبة تلك الموشحة إلى ابن المعتز مع ما اشتهر، بل استفاض من أنها من نظم ابن زهر الأيادي الأندلسي، ومع علمهم بأن الموشحات من مبدعات المتأخرين من الأندلسيين كما رأيت
ولعمري إن ابن زهر الأيادي ليس بخفي الشأن بحيث يسوغ لمتأدب أن يختلس ثمار أفكاره فيلصقها بغيره، كما أن ابن المعتز أشهر وأظهر من أن تخفى بدائع لبّه على ياقوت وابن أبي أصيبعة وابن خلدون والمقري وإضرابهم من محّققي المؤرخين، ولكن ما الحيلة والتحقيق في الناس قليل لأن مركبه صعب، والتساهل كثير لأن مركبه وطئ
وأنا لم أكتب ما كتبت في دفع هذا الوهم إلا لما رأيته فاشياً بين الشداة من المتأدبين الذين يعتمدون على ما تخطه أقلام المعاصرين من غثٍ أو سمين، ولا يكلّفون أنفسهم مؤونة الرجوع إلى الأصول للتثبت من صحة تلك النقول. وهذا داء وبيل تطاير شرره وعم ضرره. وأكبر الظن أن هذا الوهم تسرب إلى المتأخرين من طريق (ديوان ابن المعتز) المطبوع في بيروت المتداول بين الأيدي. ولا جدال في أن الكثيرين من جمعة الدواوين حاطبو ليل، يحشرون شعر هذا في ديوان ذاك، وشعر ذاك في ديوان هذا. والشاهد على ذلك كثيرة مستفيضة، وقد وقفت في هذا الديوان على شعر كثير لا علم لابن المعتز به وإنما هو من نظم من تقدمه أو تأخر عنه
وكان الأقدمون يتلقون نتاج الأفكار وثمار الأقلام من طريق الرواية ويتبارون بتوثيق