اسلم إليهما قوما بادروني ونزلوا بلادي واختاروا جواري دون سواي حتى أدعوهم فاسألهم عما يقول هذان في أمرهم)
وأرسل النجاشي خلف المسلمين فآتوه وهو على عرشه وأساقفته ناشرون مصاحفهم حوله، وتكلم عن المسلمين جعفر بن أبي طالب قال، (أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش. . . حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا. . . وامرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكشف عن المحارم. ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. . . فصدقناه وآمنا به واتبعناه. . . . فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا. . . فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا. خرجنا إلى بلادك. . . ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك) قال النجاشي العادل وقد أثر فيه قول جعفر: هل معك مما جاء به من الله من شيء؟ قال جعفر نعم، قال له فاقرأه، فقرأ جعفر (كهيعص. ذكر رحمة ربك عبده زكريا: إذ نادى ربه نداء خفيا. قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا. وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا. يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا).
أنصت النجاشي لآيات الله يتولها جعفر فلم يشعر إلا والدموع تنهمر من عينيه وتبلل لحيته. النجاشي ملك الحبشة العظيم، النجاشي الذي ذاق هول الدهر، فقد غدر به قومه وقتلوا أباه وباعوه ليخلصوا منه ثم لجأوا إليه أخيرا حين احتاجوا إليه، هذا النجاشي الذي بلا الدهر واستمرأ غلظته وجفاءه، نعم هذا النجاشي يبكي لمجرد تلاوة آي الذكر الحكيم وكأنه صعب عليه أن يبكي لمجرد تلاوة آيات فالتفت إلى أساقفته وفيهم الغليظ القلب، وفيهم الجافي الطبع، وفيهم البارد العاطفة، فإذا بهم كلهم باكون وقد اخضلت لحاهم من الدمع. ولكن عظيمي مكة وقفا جامدين! لقد ألفا هذه التلاوة ولم تؤثر في أكبادهما الغليظة شيئا. (الأعراب أشد كفر ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله).
خرج العظيمان المكيان مخذولين، ولكنهما لم ييأسا، فجاءا النجاشي العادل في الغد يريدان