للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعرّضت للموت من الظمأ والجوع، فمن المستحيل أن تترك أعشاشها لتشهد محاكمة آدم صاحب حواء

وفي الأنعام بهائم تأكل الطعام وهي مطعونة بسهم الموت، فلا أمل في أن تتحرك لشهود القضاء في ساحة العدل

وهنالك الحمير، وهي لا تعلن عن سرورها بغير النهيق، فمن الخير إلا تحضر مجلس القضاء وصوتُها أنكر الأصوات.

وفي الوجود خلائق لها أبصار، وليس لها بصائر، فمن الحزم أن تُراح من شهود جلسة لا يستفيد منها غير أرباب القلوب

ثم اتفقت آراء الملائكة على أن المراد بعلنية الجلسة إعطاء الفرصة لمن يستطيع الحضور، وليس المراد أن تحضر الخلائق جمعاء، وهل يتيسر لأسماك الكوثر أن تشهد محاكمة آدم وهي تُعرَّض للموت أن طال ثواؤها بالعَرَاء؟

والحق أن الملائكة لم يشهدوا في ماضيهم القديم اصعب من ذلك الموقف، فقد كان عليهم أن يراعوا في تهيئة ساحة العدل طبائع الطير والحيوان والحشرات، فمن الطير أنواع تستريح إلى الأرض، أمثال الحَجَل والكروان والهداهد والطيور المائية، ومن الطير أنواع لا تستريح بغير الوقوف فوق أعواد، فكيف تُعَدُّ الساحة لأولئك وهؤلاء؟ أن ذلك لا يتم بغير متاعب، والجلسة مستعجلة، ولا يمكن طلب التأجيل

وعرضتْ للملائكة مشكلتان في غاية من الخطورة: المشكلة الأولى مشكلة النزاع الذي ثار بين الأسود والقرود بعد فضيحة آدم وحواء، وهو نزاع قد يثور من جديد أن قضى الله على آدم بما يشرح صدور القرود

أما المشكلة الثانية فهي الخوف على الطيور المغردة من عدوان الطيور الجوارح، فالصقر يشتهي الطير المغرد شهوة عارمة، ويكاد يتوهم أن لحم الطير المغرد أطيب من خدود الملاح، وتلك الطيور لن تسكت عن التغريد، لأنها مفطورة على حب الغناء، ولو في حضور الشواهين، والجمال قد يَجنِي على الجميل

قال أحد الملائكة: ولكن نحن في الجنة ولا خوف من بطش الأقوياء بالضعفاء

فقال له صاحبه وهو يحاوره: كنا في الجنة!

<<  <  ج:
ص:  >  >>