المائدة) تذكر لنا شأناً أخرويَّاً يتعلق بعبادة قومه له ولأمه في الدنيا وقد سأله الله عنها وهي تقرر على لسان عيسى عليه السلام أنه لم يقل لهم إلا ما أمره الله به:(اعبدوا الله ربي وربكم)؛ وإنه كان شهيداً عليهم مدة إقامته بينهم، وإنه لا يعلم ما حدث منهم بعد أن (توفاه الله)! وكلمة (توفي) قد وردت في القرآن كثيراً بمعنى الموت حتى صار هذا المعنى هو الغالب عليها المتبادر منها، ولم تستعمل في غير هذا المعنى إلا وبجانبها ما يصرفها عن هذا المعنى المتبادر:(قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم. إن الذين توافهم الملائكة ظالمي أنفسهم. ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة. توفته رسلنا. ومنكم من يتوفى. حتى يتوفاهن الموت. توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)
ومن حق كلمة (توفيتني) في الآية أن تحمل على هذا المعنى المتبادر وهو الإماتة العادية التي يعرفها الناس ويدركها من اللفظ ومن السياق الناطقون بالضاد. وإذن فالآية لو لم يتصل بها غيرها في تقرير نهاية عيسى مع قومه لما كان هناك مبرر للقول بان عيسى حي لم يمت.
ولا سبيل إلى القول بان الوفاة هنا مراد بها وفاة عيسى بعد نزوله من السماء بناء على زعم من يرى انه حي في السماء، وإنه سينزل منها آخر الزمان، لان الآية ظاهرة في تحديد علاقته بقومه هو لا بالقوم الذين يكونون آخر الزمان وهم قوم محمد باتفاق لا قوم عيسى.
أما آية النساء فإنها تقول (بل رفعه الله إليه) وقد فسرها بعض المفسرين بل جمهورهم بالرفع إلى السماء، ويقولون: إن الله ألقى على غيره شبهه، ورفعه بجسده إلى السماء، فهو حي فيها وسينزل منها آخر الزمان، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب، ويعتمدون في ذلك:
أولا: على روايات تفيد نزول عيسى بعد الدجال، وهي روايات مضطربة مختلفة في ألفاظها ومعانيها اختلافاً لا مجال معه للجمع بينها؛ وقد نص على ذلك علماء الحديث. وهي فوق ذلك من رواية وهي بن منبه وكعب الأحبار وهما من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام وقد عرفت درجتهما في الحديث عند علماء الجرح والتعديل.
وثانياً: على حديث مروي عن أبى هريرة اقتصر فيه على الإخبار بنزول عيسى؛ وإذا صح هذا الحديث فهو حديث آحاد. وقد أجمع العلماء على أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة