معنا) وفي (عند مليك مقتدر) وكلها لا يفهم منها سوى معنى الرعاية والحفظ والدخول في الكنف المقدس. فمن أين تؤخذ كلمة السماء من كلمة (إليه)؟ اللهم أن هذا لظلم للتعبير القرآني الواضح خضوعاً لقصص وروايات لم يقم على الظن بها فضلاً عن اليقين برهان ولا شبه برهان!
وبعد فما عيسى إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، ناصبه قومه العداء، وظهرت على وجوههم بوادر الشر بالنسبة إليه، فالتجأ إلى الله شان الأنبياء والمرسلين فأنقذه الله بعزته وحكمته وخيب مكر أعدائه. وهذا هو ما تضمنته الآيات (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله) إلى آخرها، بَّين الله فيها دقة مكره بالنسبة إلى مكرهم، وأن مكرهم في اغتيال عيسى قد ضاع أمام مكر الله في حفظه وعصمته (إذ قال الله يا عيسى أني متوفيك ورافعك ومطهرك من الذين كفروا) فهو يبشره بإنجائه من مكرهم ورد كيدهم في نحورهم، وأنه سيستوفى أجله حتى يموت حتف أنه من غير قتل ولا صلب، ثم يرفعه الله إليه. وهذا هو ما يفهمه القارئ للآيات الواردة في شأن نهاية عيسى مع قومه متى وقف على سنة الله مع أنبيائه حين يتألب عليهم خصومهم، ومتى خلا ذهنه من تلك الروايات التي لا ينبغي أن تحكم بالقرآن، ولست أدري كيف يكون إنقاذ عيسى بطريق انتزاعه من بينهم ورفعه بجسده إلى السماء مكراً؟ وكيف يوصف بأنه خير من مكرهم مع أنه شيء ليس في استطاعتهم أن يقاوموه، شيء ليس في قدرة البشر! ألا أنه لا يتحقق مكر في مقابلة مكر إلا إذا كان جارياً على أسلوبه غير خارج عن مقتضى العادة فيه. وقد جاء مثل هذا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم (وأذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلونك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)
والخلاصة من هذا المبحث:
١ - أنه ليس في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسى رفع بجسمه إلى السماء وأنه حي إلى الآن فيها وأنه سينزل منها آخر الزمان إلى الأرض.
٢ - أن كل ما تفيد الآيات الواردة في هذا الشأن هو وعد الله عيسى بأنه متوفيه أجله ورافعه إليه وعاصمة من الذين كفروا، وأن هذا الوعد قد تحقق فلم يقتله أعداؤه ولم