رأينا في صيغة التقرير بمذهب جديد. كأنه (سانت بوف) يعلن أمر المذهب الرومانتيكي عند ظهور تمثيليات (هوجو)!! ولنسلم بأن طه حسين هو المشيد الأول بشأن أهل الكهف ومؤلفها. فهل هذا حدث جديد في تاريخ الآداب؟ ألم يصح مثل هذه الصيحة (تورجنيف) عندما استقبل أول أعمال (تولستوي) قائلاً (ظهر كاتب روسيا الأعظم!) أو لم يفعل مثل ذلك (ارنولد بنيت) عندما أشاد بقصة (الدس هاكسلي) بقوله: (هذا كاتب يلحق مباشرة بقصاصي روسيا العظام!) أو لم يصنع هذا (أناتول فرانس) بمذكرات ماري باسكرشيف) عندما أعلن أنها أثر خالد للإنسانية! فإذا هذه الأعمال قد ظهرت ومؤلفوها قد برزوا للعالم بين يوم وليلة. هل أستلزم ذلك التحميل بأثقال الديون والتكبيل بحبال الجميل نحو أشخاص النقاد؟ أو أن الأمر لا يعدو في تلك البلاد أن ناقداً أدى واجبه بأمانة وإخلاص، لا نحو شخص من الأشخاص ولكن نحو آداب وطنه وفن بلاده؟ لم نسمع في غير مصر أن الناقد إذا أثنى على كتاب حسب أنه تفضل على مؤلفه ورفع شأنه من الحضيض. وأن على المؤلف واجباً مقدساً هو أن يشتري من فوره سبحة كيلا ينسى أن يسبح محمداً الناقد أناء الليل وأطراف النهار. شأنه شأن القاضي الذي يصدر حكماً ينقل أحد المتقاضين من الفقر إلى الغنى. فيظل طول يقول في مجالسه. . . أنا الذي أغنيت فلاناً ونقلته من حال إلى حال وخلقته هذا الخلق الجديد. وينسى أنه كان مظهراً لحق هذا الفلان لا أكثر ولا أقل. اللهم أن في هذا لإهداراً لكرامة العدالة وكرامة الفن!
ولكن من الأنصاف أن أقول: أني لا اشك في أن طه حسين كان يصدر حقاً عن عقيدة الناقد الذي يؤدي واجب النقد والفن وحدهما، فلم يكن قد رآني وما كنت قد رأيته، وما كان تصادم الطباع والخصال قد لعب دوراً في تقدير الأمور، وسواء كان طه مخطئاً أو مصيباً في رأيه الذي أبداه، فهذا ليس من شأني ولا من شأن الأشخاص، إنما هو من شئن النقاد ورجال الجامعة والباحثين من هذا العصر ما بعده ممن يعنون بتمحيص مذهب أستاذ من أساتذة النقد والأدب.
على أني إذا تفرغت للنقد يوماً، فإني أرجو أن أؤدي واجبي بمثل هذه الحرارة والأمانة والقوة نحو آثار طه وغيره من الأدباء؛ وإذا تحقق أملي وأقمت في أوربا بعد الحرب، فسوف يكون من شأني القيام بهذا العمل نحو هذه الآثار في تلك البلاد.