أجل، ولا يزال بعض الكتاب المشهورين حتى اليوم يؤمنون بوجوب تشجيع الإنتاج والجهود المربحة حيث ينبغي ألا يصادر قسم كبير من الأرباح بهذا النوع من الضرائب. هذا ولكن الرأي الغالب اليوم والذي يحتمل أن يسود العالم غداً يؤيد تلك الضريبة ذات النسبة المتصاعدة، ويرى من الإنصاف أن تكون الوطأة التي يشعر بها دافعوا الضريبة، متساوية في الثقل لدى الجميع، أغنياء وفقراء، فكلما كان المشرع حريصاً على العدل في توزيع الضريبة، كانت النسبة ذات تصاعد أعظم. ولا يعزب عن البال أن من أهم الضرائب الحديثة هو التقليل من ذلك الفرق الشاسع في توزيع الثروة بين الناس، حيث يموت البعض جوعاً بينما يلعب الآخرون بالمال لعباً.
قد لا نخطئ الحق إذا قلنا إن الشرع الإسلامي كان يرمي إلى نفس الأهداف التي يرمي إليها اليوم المشرعون في هذا الموضوع. ولعلنا لا نغالي إذا قلنا إنه فاقهم في بعض النواحي.
حقاً إن الدولة الإسلامية كانت أول دولة في التاريخ سنت نظاماً في الضرائب ابتغت فيه العدل وتوزيع الثروة العامة على أساس المساواة.
ثم ينبغي إلا ننسى بأن معظم الضرائب كانت - في ذلك العهد - ضرائب مباشرة حيث لا يخفى ما لهذا من الأهمية في تاريخ الضرائب. لقد كانت الضرائب المباشرة لم تفض في الأمم القديمة - كما قلنا آنفاً - إلا نادراً وذلك عند الحرب إذ لم يكن الإدراك السياسي قد وصل إلى تلك الدرجة التي يستسيغون بها فرض الضرائب مباشرة.
والضرائب المباشرة بلا ريب هي المرحة التي توصل إليها المجتمع في تطوره السياسي والاجتماعي
وهناك نواح أخرى في ضرائب الإسلام تتجه في مراميها إلى نفس الهدف الذي ذكرناه آنفاً ألا وهو العدل، وذلك مثل عدم استثناء النبلاء والطبقات الأرستقراطية من الضريبة، وهو ما كان شائعاً في العالم حتى القرون الأخيرة، ومثل التفريق في نسبة الضريبة على إنتاج المكابدة وإنتاج اليسر. . . الخ. وعسانا نستطيع أن نوفي ذلك حقه في فرصة أخرى.