في غير حياتهم، أو أنشودة أولئك المشردين المنبوذين الذين كانوا أيام الجوع يبتهجون بافتراش الغبراء وأكل الأعشاب. وقد كانت الجماهير الزاخرة، ولا سيما جمهرة المتعلمين تعتقد أن الزمن سيدور دوره. وكان الاعتقاد عميقاً سائداً بأن البراءة ستأتي أو سيأتي عصر تنهض فيه الأحوال الأخلاقية والاقتصادية. وهكذا حظيت هذه العوامل التي بعثت الخيال الجديد بظلامه وخفائه وحماقته بتأييد الجمهور. ولعل الرسالة كانت أقوى من فهم الشعراء أنفسهم وأقوى من ثروتهم اللقطية؛ وكان ثمة اعتقاد بأنها رسالة رسل أو أنبياء. ألم يكن ثمة دليل على عمق الرسالة حين تحطم الإناء تحت ثقل ما فيه؟
- ٤ -
ولقد كان ذلك الخيال الذي أقامته حركة (التعبير) ضد (التأثير) والذي كان يعم من الوجهة النظرية لصوغ الحالة النفسية من جديد، وينكر كل استقلال خارجي، بل كل شرعية خارجية وكل شكل وضعي، يلتقي مع ذلك بحاجة للوسط الذي يعني بالفلسفة، هذا إلى تلك الحساسية الدقيقة التي أذاعتها في الطبقة الوسطى فلسفة (فرويد) النفسية والتي اتجهت نحو تصوير الغرائز المضطربة والمثل النفسية
وكانت الفلسفة الألمانية الرسمية، منذ فاتحة هذا القرن تتجه بلا ريب إلى معارضة الفكرة الواقعية، أولاً على يد الأشكال المعتدلة للفلسفة الكانتية ومنذ سنة ١٩١٠ ظهرت حركة واضحة تميل نحو فلسفة واقعية روحية (وقوامها فلاسفة مثل، مينونج وهوسرل، وبعض تلاميذ مدرسة ديكرت، وحركة الأحياء الهجلية، وهنز دريش وغيرهم) بيد انه قلما كان يفرق أحد بين الواقعية والآلية، فكانت كل هذه الميول تتجه إلى إنكار الشكل والمقدار سواء في الطبيعة أو البيولوجيا أو الاجتماع.
وكانت الحركة الوطنية قبل الحرب بل وأثناء الحرب أيضاً، تعضد هذا الاتجاه، وكانت ترى في تراث أجست كونت وجون ستوارت ميل، ثقافة خصيمة تجب محاربتها. ولكن بتقدم الميول الروحية ارتد المفكرون إلى الفلاسفة الألمان القدماء: ايكهارت، بيمي، وفختى، وشلنج، وهجل
ومن اليسير أن نبرهن على أن دعاة نظرية (التعبير) قد استقوا من هذه الميول، سواء من الوجهة الشخصية. أو الوجهة المادية. بيد أن الحركتين كانتا تسيران جنباً إلى جنب في