لا تموت!. . . وشعر فرهاد كأن روح شيرين ترفرف عليه، وتدعوه ليصعد إلى جوارها، إلى حياة أخرى خالدة هادئة. . . وصعد فرهاد إلى صخرة شاهقة تشرف على ذلك الطريق الذي شقه في سبيل القرب من حبيبته. . . فصار آخر طريق يسلكه ليصل من هذه الدنيا. . . دنيا الخبث والشقاء والبؤس. . . إلى دنيا الصفاء والأحلام والخلود. . . وعلى سطح هذه الصخرة الشاهقة، سجد فرهاد أمام روح شيرين الطاهرة البريئة. . . وقد مثلت أمامه، فرآها بعيني بصيرته، وقبَّل لها الأرض في خشوع وخضوع. . .
ثم قام وقد افترت شفتاه عن ابتسامة الواثق من مآله، ولاحت على وجهه دلائل الغبطة والسعادة، وألقى بذلك الجسد الفاني إلى الطريق، فصعدت روحه الخالدة إلى السماء، وهي تنظر وراءها، إلى تلك الابتسامة الباقية على شفتيه، فترى فيها ما للموت من جمال. . . وكيف لا يكون للموت جمال. . .؟!
وفي (شكل ٢) يرقد فرهاد رقدته الأخيرة، بعد أن ألقى بنفسه من أعلى الصخرة، فسقط إلى جوار أدواته التي كان يعمل بها في نحت الطريق بجبل بيسُتون. وإلى اليمين أسرع رجل إليه، وقد عقلت الدهشة لسانه، فوضع يده على فمه. وانطلقت الغزلان والطيور مبتعدة عن مكان هذه المأساة الموحشة، كأنها تفر من هول القضاء المحتوم. وهذه الصورة في مخطوط (٢) للمنظومات الخمس للشاعر خسرو الدهلوي، كتب في مرات سنة ٨٩٠ هجرية (١٤٨٥م) ومحفوظ في مجموعة شستر بيتي بلندن
أفلحت مكيدة وزراء خسرو، ومات فرهاد وهو يعتقد أن شيرين قد ماتت، فأراد أن يلحق بها. وحزنت شيرين على فرهاد حزناً شديداً، فأمرت ببناء قبة فوق المكان الذي مات فيه، لتكون رمزاً للحب الطاهر البريء، وكعبة يحج إليها كل محب صادق في حبه
لم يكن حزن شيرين لموت فرهاد إلا لإشفاقها عليه وإعجابها به، فقد كان صادقاً في حبه، عفيفاً أبيّ النفس، وفياً كامل الرجولة. وماتت مريم ابنة إمبراطور الروم، وزوجة خسرو وأم ابنه شيرويه. فأرسل خسرو الرسل إلى شيرين يطلب ودّها، ولكنها رفضت أن تقابلهم، وأصمت أذنيها دونهم. وحاول شابور، صديق الطرفين، أن يوفق بينهما، فبذل في هذا السبيل كل ما أوتي من ذكاء وسعة حيلة، ولكنه لم يفلح. فقد كانت شيرين غضبى لزواج خسرو من مريم، ولقسوته الشديدة على فرهاد. وأراد خسرو أن يسري عن نفسه، فاختار لذ